بدايات تشكيل الوعي القومي
02-12-2013 07:24 PM
كانت بدايات نشر الوعي القومي في نهاية القرن التاسع عشر بداية القرن العشرين التي تمثلت في مواجهة سياسة التتريك ، وكانت رد فعل طبيعياً وتعبيراً عن الشعور بالذات والاحساس بالخطر على الهوية والثقافة واللغة وعلى مستقبل الأمة.
كما تم في تلك المرحلة تشكيل عدد من الجمعيات أبرزها جمعية العهد وجمعية الميثاق.وإلى جانب هؤلاء برز الشريف حسين بن علي الذي دعا إلى استقلال العرب وإقامة الدولة العربية في المشرق العربي،مستفيداً من ضعف الدولة العثمانية ،إلا أن خداع بريطانيا ونكوصها بوعودها أفشل الطموح في إقامة الدولة العربية ،لأن الاستعمار بجميع أشكاله وطبيعته يتنافى مع غايات الأمة وطموحها في إقامة دولة الوحدة العربية.
وازداد تشكل الوعي القومي بتأسيس المؤتمرات العديدة التي دعت إلى تحرير الأمة من الاستعمار،وتأليف كتلة عربية قومية تنهض بكيان العرب لأداء رسالتهم الإنسانية والحضارية ،وأكدت بمجملها بأن سبيل نهضة العرب محفوف بالصعوبات والعقبات كما رسخت المفاهيم الوحدوية بالإعلان بأن الإنسان العربي يؤمن بأن ما من قطر عربي يستطيع التخلص من الفقر والجهل والاستعمار إلا بعروبته وأن فكرة الوحدة العربية هي نتيجة طبيعية لوجود الأمة العربية.
ورغم أن هذه الأفكار كانت منطلقاً لبداية يقظة عربية لكنها لم تتحول إلى يقظة كاملة لأنها لم تتطور إلى تنظيمات سياسية لها قواعدها المنتشرة في أوساط الجماهير .كما أنها لم تتعامل مع الناس،ولم تتعامل مع قضاياهم كقضايا تتبناها وتعمل على تحقيقها ،وعجزت عن أخذ المبادرة لقيادة النضال الشعبي .كما إنها لم تدرس تركيبة المجتمع العربي الذي يتميز بوجود أقليات قومية لا تتكلم العربية برغم أنها شريكة للعرب في تاريخهم وثقافتهم وحضارتهم.
إن الوعي القومي العربي لا ينبغي أن يتناقض مع وجود أقليات قومية أو ثقافية أخرى في الوطن العربي.ولا يجب أن يعيق تعميق رابطة المواطنة المرتكزة على الانتماء للوطن وعلى التاريخ والثقافة المشتركة .
ولعدم وضع مسألة الدين في موقعها الصحيح فقد أدى إلى خسارة كبرى للقوى القومية ،من خلال خسارة أهم وسيلة إعلام في تلك المرحلة وهي المسجد الذي تُرك لأشخاص وقوى وظفته بنشر مفاهيم وفقاً لمصالحها السياسية،تم من خلالها تسييس الدين وتحويله إلى وسيلة للوصول إلى السلطة وتحقيق المصالح.
ظهرت في مطلع الأربعينات حركة قومية ثقافية عُرفت باسم حركة الإحياء العربي
تحولت فيما بعد إلى حزب البعث العربي الذي أعلن عن تأسيسه في السابع من نيسان عام 1947م.وقد ميز هذا الحزب عن التشكيلات القومية الأخرى البعد الاجتماعي بكل معطياته الاقتصادية والاجتماعية .
كما ركز على تحرير الفرد والمجتمع واعتبره مسألة ترتبط بمصير الأمة ومستقبلها . وكان الحزب في الخمسينيات الحركة القومية الأكثر تأثيراً في الفكر السياسي العربي.
وفي مطلع الخمسينيات تأسست حركة قومية في الجامعة الأمريكية ببيروت تميزت باندفاعها القومي.وقد تأثرت بأفكار عبد الناصر القومية،وأصبحت جزءاً من الحركة الناصرية في الساحة العربية.
استقبل الشارع العربي ثورة /23يوليو/عام /1952/استقبالاً حاراً،وكان قرار تأميم قناة السويس نقطة تحول كبرى في السياسة المصرية وفي الشارع العربي،برز خلالها عبد الناصر قائداً قومياً يتحدى دول الاستعمار ويكافح من أجل التحرير،كما كشف الدعم العربي الشعبي للرئيس عبد الناصر أهمية العمق العربي وما يمكن أن يشكله في مواجهة المشروع الصهيوني الامبريالي.
كان رد الفعل البريطاني الفرنسي على قرار التأميم القيام بعدوان ثلاثي على مصر عام /1956/حيث شارك العدو الصهيوني معهما في هذا العدوان.وكان رد الشارع العربي عظيماً في دعم مصر وقيادتها من المحيط إلى الخليج.وقد نتج عن ذلك العدوان تحولات كبرى كان لها تأثير في الأحداث اللاحقة تمثل في نمو الوعي القومي وتحول في الخطاب السياسي المصري باتجاه تعزيز التيار القومي العربي.
وكان أبرز هذه التحولات قيام الوحدة بين سوريا ومصر عام/1958/.وهكذا نشأ في الساحة العربية تيار قومي جديد هو التيار الناصري الذي ارتبط عاطفياً بشخص الرئيس عبد الناصر والذي ساهم في تعميق الوعي القومي.
لم تستمر حالة النهوض القومي فقد بدأ التأمر على الجمهورية العربية المتحدة من القوى الخارجية والعملاء في الداخل،فوقع الانفصال المشؤوم في /28/أيلول عام/1961.لم تكن الأسباب التي أعلنها المتآمرون على الوحدة سوى أسباب تؤكد على عمالتهم وارتباطهم التبعي لأعداء الأمة ،وسيبقى الانفصال نقطة سوداء في تاريخ هؤلاء .
أما الخلافات في وجهات النظر حول إدارة الحكم في الإقليم الشمالي – سوريا- بين الرئيس عبد الناصر وقيادة الحزب فقد دّلت على تباين في التفكير ولكنها لم تصل إلى القطيعة وإنما ظلت في حدودها التي تقف عند الحرص على الوحدة ومعالجة أخطاء الممارسات بطريقة إيجابية .
إن الوقوف عند ظاهرة الانفصال المشؤوم تحتاج إلى بحث منفصل وحوار بين الأطراف التي لا تزال ترفع شعار الوحدة العربية ،ويمكن اعتبار الانفصال نقطة تحول في المشروع الوحدوي باتجاه الانكسار والتراجع .وقد أعقبه نكسة الخامس من حزيران عام/1967/التي تمكن فيها العدو الصهيوني من إلحاق الهزيمة في أنظمة الحكم القومية مصر وسوريا،مما فتح المجال لبروز الإسلام السياسي الذي نرى تداعياته في بعض الدول ووصوله فيها للحكم.