العنف بعد الساعة العاشرة!
بدرية البشر
02-12-2013 03:09 PM
صرح مصدر مسؤول ضمن خبر القبض على شبان متحرشين أنهم سيحققون في قضايا التحرش ولا يستعجلون في الحكم، لأن الفتيات أحياناً يكن السبب في التحرش، وفي هذه الجملة دلالات نسبية، فبحسب المتحدث يكون أحياناً وضع الأصباغ الملونة على أصابع الفتاة إثارة للشبان ودعوة سافرة لتحرشهم بها، وعليه فإن كل فتاة تكشف عن عينيها أو عن وجهها أو تلبس عباءتها بطريقة غير مألوفة في المنزل، أو تخرج لتناول الغداء مع زميلاتها في مكان قريب من عملها كما حدث مع فتيات الخبر، مدعاة لئلا تلوم الفتاة إلا نفسها إذا ما تحرش بها الشبان، هذا المفهوم للعنف يؤكده تصريح جاء على لسان رئيس محكمة الاستئناف يقول فيه إن خروج المرأة للسوق أو العمل هو أحد أسباب تعنيفها. ولكننا لا نفهم أن المرأة التي تجلس في منزلها ستكون بمأمن عن العنف، لأن دار الحماية أكدت عبر تصريح لها أنها لا تستطيع أن ترد على طلب الحماية للنساء اللاتي يتعرضن للعنف في منازلهن بعد الساعة العاشرة ليلاً، مما يعني أنه حتى النساء اللاتي يجلسن في منازلهن هن عرضة للعنف، وإذا ما تعرضن له بعد العاشرة ليلاً فإن وزارة الشؤون الاجتماعية حتى اليوم لا تستطيع أن توفر لهن الحماية بعد العاشرة، من دون إلزام الرجال الذين يعنفون زوجاتهم أو أبناءهم بأن يتوقفوا عن العنف بعد العاشرة.
بعد كل هذه التصريحات التي جاءت من مصادر «مسؤولة» فهمنا أن النساء هن في مجرى سيل للعنف المبرر سواء داخل المنزل أم خارجه، وتبريره يأتي على «كيف» و «مزاج» الرجل سواء كان مسؤولاً أم شاباً يسير في الشارع، فإذا قابل فتاة تضع كحلاً في عينيها أو صبغاً على أظافرها فهو من يقرر إن كانت تستحق العنف أم لا؟ نسيت أن أقول لكم إن التوقيت أيضاً مهم في العنف، فخروج المرأة في المساء يختلف عنه لو خرجت في الصباح، لكن حتى هذه مسألة فيها وجهة نظر بالنسبة إلى بعض التفسيرات، وإذا خرجت الفتاة في فترة ما بعد الظهر لمركز تجاري تتناول الغداء مع زميلاتها ومر بهن شبان فهن يستحققن العنف، أما بحسب رئيس محكمة الاستئناف فهذا كله ليس كافياً، بل إن خروجها من المنزل بحد ذاته للعمل أو السوق مبرر لتعرضها للعنف، وبالنسبة إلى بعض رجال الشرطة فإن المرأة إذا كانت زوجة وجلست في المنزل وتعرضت للعنف فهو رجل يؤدب زوجته.
المفارقة التي دائماً تأتي علي بالي، هي لماذا إذا اشتكت الزوجة زوجاً يضربها عند الشرطي الذي ينظر إلى شكواها على أنها مشكلة عائلية وليست قانونية، لكنها إذا ذهبت لأخيها واستعانت به، وجاء وضرب زوجها حينها تتدخل الشرطة وتعتبر الأمر جناية، بمعنى أن عراك رجلين مهما كانت درجة قرابتهما هو ضرر يمنعه القانون، لكن لو وقع هذا الضرر على امرأة، فإن المسألة تدخل في حيص بيص فلسفي تتداخل فيه المسؤولية مثلما تتداخل في سؤال من الأول البيضة أم الدجاجة؟ ولا تعجب أن تجد في قضية اغتصاب فتاة أن تحمل هي جزءاً من المسؤولية.
وضع الشاب خارج حدود المسؤولية الدينية والأخلاقية والثقافية أمر لا يضر الفتاة وحدها بل ويضر الشاب نفسه، فالمرء مسؤول عن أفعاله مهما كانت المحرضات الخارجية، فالله سبحانه وتعالى يضع الذكر والأنثى على مستوى واحد من المسؤولية، فأنت لا تقتل لمجرد أنك وجدت محلاً يبيع السكاكين، ولا تسرق لمجرد أن الحارس كان نائماً.
لكنك إذا وجدت امرأة ضعيفة أو وقعت عينك على ما تظن أنها مدعاة لإثارتك فإنك تصبح خارج الحكم. الغريب أن هذا الشاب السعودي المنفلت الذي يعتبر أن عيناً كحيلة لفتاة سعودية أو ظفراً مصبوغاً مدعاة للإثارة في بلاده، لا يكون هو نفسه حين يرى نساء شبه عاريات في شوارع مدينة لا تبعد ساعة عن بلاده بالطائرة، فهو يعرف جيداً أن التحرش بالنساء ليس خياره الشخصي، بل هو قانون يلتقطه منذ أول استغاثة ويرمي به في غياهب الجب. لهذا يرتدع، ونحن هنا خدمنا الشاب لأننا وفرنا عليه صراعاً أخلاقياً وفكرياً حين يرى كل فتاة، فلا يسأل نفسه هل يتحرش بها أم لا؟ لذا فإن تطبيق قوانين منع العنف ضد النساء لا ينقذ فقط النساء بل والرجال أيضاً، وطالما أن قضاءنا ومسؤولينا يقدمون مصلحة الرجل على مصلحة المرأة، فدعونا نتحرك من هذا المنطلق احموا الرجال وامنعوهم من التحرش بالنساء، حرام يضيع مستقبلهم.
(الحياة اللندنية)