كم من الرجال في عالمنا العربي يخالون أنهم سوبرمان، ويتصرّفون، تالياً، على هذا الأساس؟ هكذا يتحوّل القادة إلى طغاة ديكتاتوريين، وأرباب العمل إلى مستعبِدين، والمؤمنون إلى إرهابيين، والعشّاق إلى مستبدّين. ذلك كلّه تحت شعار "أعرف مصلحتكم/مصلحتكنّ أفضل منكم/منكنّ" أو "أنا على حقّ وأنتم/أنتنّ على خطأ". إنها ظاهرةٌ مؤسفة ومدمّرة، سواء بالنسبة إلى الشخص نفسه أم إلى الآخرين.
في سوبرمان جينات عربية من دون شك. كيف لا، وكلاهما (أي سوبرمان والرجل العربيّ، بلا تعميم طبعاً) مصابٌ بعارض انفصام الشخصية ذاته؟ كيف لا، وكلاهما يواجه الحياة والناس بموقف طافح بالإدّعاء والعجرفة؟ كيف لا، وكلاهما يتصرّف بتلك الفوقية الذكورية نفسها؟ كيف لا، وكلاهما يتوهم بأنه "لا يُقهر"؟
لقد حان الوقت لكي نعي جميعاً، نساء ورجالاً على السواء، أن هذا العالم لا يحتاج إلى "رجال من فولاذ"، بل إلى رجالٍ حقيقيّين. رجالٌ حقيقيّون نعم، بكلّ ما قد يشمل ذلك من عيوب وزلاّت ونقاط ضعف: رجالٌ لا يضعون أقنعة لكي يشعروا بالقوّة؛ رجالٌ لا يخشون الكشف عن مواطن ضعفهم ولا يخفون عنا (أو عن أنفسهم) شخصياتهم الحقيقية؛ رجالٌ لا يشعرون بالحرج إذا التمسوا المساعدة عند الحاجة؛ رجالٌ لا يعرّفون أنفسهم وفقاً لأدائهم في السرير أو حسابهم في المصرف؛ رجالٌ يعتبرون النساء شريكات لهم، لا ضحايا أو أكسسورات أو جوائز...
قد يُخيّل إلينا أن سوبرمان قويٌّ، لكنّ عضلاته ما هي إلا واجهة تخفي انعدام ثقته بنفسه ومواطن قلقه وعدم استقراره. يكفي تحدٍّ بسيط لكي يزعزعه ويخيفه ويكسره.
قد يبدو جذّاباً في الظاهر، لكنه نتنٌ من الداخل. قد يوحي للأشخاص أنه يمدّهم بالمساعدة، لكنه، في الواقع، يضيّق عليهم الخناق ويستبدّ بهم. كيف لا، وهو يخلط بين الرجولة والذكورية، بين الإيمان والتعصّب، بين الأخلاقيات والتقاليد البائدة، بين الخير والمصالح الشخصية، بين الحماية والغيرة، بين الحبّ والتملّك، وبين القوة والقمع؟ قد يزعم سوبرمان هذا أنه ينقذ العالم، لكنّ الحاجة تدعو إلى إنقاذ العالم منه.
...وقبل ذلك كلّه: إلى إنقاذه هو من نفسه.
(النهار اللبنانية)