لافت للانتباه معاناة مؤسسات كبيرة في البلد،من مصاعب مالية وتمويلية،وهذه المؤسسات تستغيث،لانها لن تكون قادرة على الاستمرار بهذه الطريقة،والاستدانة ايضاً،ليست الا حلا مؤقتاً.
البارحة قرأنا خبراً عن جامعة البلقاء التطبيقية تستغيث عبره لان لامال لديها لدفع رواتب شهر تشرين ثاني،ولاشهر كانون اول،ومجموع الرواتب اكثر من خمسة ملايين دينار،ورواتب تشرين اول،تأخر دفعها.
الجامعة تستغيث بالحكومة،والحكومة تستغيث بالحكومات العربية ومؤسسات الاقراض العالمي،وهكذا تتوالى فصول التراجع في مؤسسات كبرى في البلد،ومنطق الاستغاثة يتشابه مع منطق الاستدعاءات الفردية،والجامعة التي تستغيث طلبا للرواتب،لاتقدم لنا للمفارقة طالبا يؤمن بأقل درجات الانضباط،ولاطالبا جودة تعليمه مشهودة.
هذا يفرض تحركاً جذرياً،في المحصلة،لان الجامعات والبلديات ومؤسسات اخرى كثيرة رسمية،باتت تعاني من مصاعب تمويلية،ومن عدم القدرة على الوفاء بالتزاماتها المالية.
البلديات مثلا استملكت عشرات الاف الدونمات فلا هي قادرة على دفع ثمنها،ولاهي راغبة بأعادتها الى اصحابها،ورواتب الموظفين،ديون في ديون،ومستحقات البلديات لايدفعها المواطن،واغلب البلديات باتت "تكايا خيرية" للتشغيل والاحسان.
كان لافتاً للانتباه،ايضاً،ان بث التلفزيون توقف مراراُ بشكل مفاجئ وتحولت الشاشة الى سوداء،لوقت قصير،ثم عادت ومشاكل البث،نراها في حالات كثيرة،فوق الصورة الباهتة،التي لاتنافس التلفزيونات الخاصة.
السر في ذلك عائد الى كون اجهزة التلفزيون قديمة جداً،والاجهزة هنا،تعني الاجهزة التقنية داخل الاستديوهات،وغرف الاخراج،والكاميرات،فوق اجهزة البث المختلفة.
اذا لم يتم انقاذ التلفزيون فنياً،ودعمه مالياً،فقد لايكون قادراً على الاستمرار،والاقمار الصناعية ذاتها،حذرّت مراراً التلفزيون الاردني،من ان عدم موائمته للتغيرات التقنية سيؤدي الى حجب التلفزيون،واذا كانت هناك مساعي حالياً لبعض التحسينات،فأنها محصورة وغير كافية لاحداث نقلة تتطابق مع التغيرات الفنية في العالم.
هذا يعني ان التلفزيون بحاجة الى مال لانقاذه تقنياً،وندعو هنا الحكومة الى تخصيص جزء من المنحة الخليجية لانقاذ التلفزيون والاذاعة ايضا،وبث الحياة في اهم مؤسسة اعلامية في الاردن،بدلا من هذا الواقع الذي لايريد كثيرون ان يتعاملوا مع تفاصيله التي قد تؤدي الى سقوط شارة التلفزيون فجأة.
ثلاثة نماذج بين ايدينا،الجامعات مثل جامعة البلقاء،البلديات،التلفزيون،والامثلة لاتعد ولاتحصى،وماهو مؤسف ان هذا البلد يختلف عن غيره بكونه أمتلك بنية تحتية مهمة جداُ،على صعيد التعليم والصحة والبلديات والاعلام،بما في ذلك الصحافة الورقية التي يتم التفرج على انهيارها وكأنها صحافة الصومال.
ترك هذه البنى للتراجع التدريجي سيؤدي الى خسارتنا لكل مزايانا،وما تم انجازه فعلياً.
الافتاء في سبب المصاعب التمويلية،امر سهل،فقد يأتينا من يقول ان السبب سياسات التوظيف الاغراقية،وقد يأتي من يقول ان السبب عدم تساوي كلف الخدمات مع ثمنها المدفوع،وفريق قد ثالث يقول ان السبب في فقر الخزينة وعدم قدرتها المالية.
في كل الحالات،ليس مفيداً الخوض في الاسباب الا من باب وقف السياسات السلبية،وفي النتيجة لابد من حل جذري لهذه المؤسسات التي بنيناها،وندعو لخطة من عنوانين،اولهما انقاذ هذه المؤسسات،وثانيهما اعادة مراجعة سياساتها التي ادت الى هذا الحال.
الفرد منا يكتب الاستدعاءات،والمؤسسات تطلق الاستغاثات،وهذا حال مشترك بين الجميع،والحمد لله.
(الدستور)