فنزويلا : قوة ناشئة .. فاوستو فيرنانديس بور
02-12-2013 02:33 AM
بقلم : السفير الفنزويلي السيد فاوستو فيرنانديس بور ..
إن فنزويلا، في تطلعها إلى التحول إلى قوة متوسطة في فترة زمنية معقولة، لا تحاول على الإطلاق إنشاء مجموعة من البلدان الدافعة للضرائب أو التابعة تضمن التحويل الصافي للموارد لصالحها؛ فبذلك ستقوم باستنساخ النموذج الذي تسعى للتغلب عليه، والمبني على الاستغلال. إن الهدف من جعل فنزويلا قوة أيضا ليس له علاقة بتعميق الانغماس في التبعية للاقتصاد الرأسمالي العالمي، مثلما هو الحال - بدرجات متفاوتة- في معظم بلدان أمريكا اللاتينية، والتي من شأنها أن تعزز التبعية السياسية وتجبرها على الإستمرار في التخصص في الإنتاج الأولي ( السلع )، وتطوير حلقات معينة فقط في مجموعة من سلاسل إنتاج ثمينة تصبح يوم بعد آخر تحت سيطرة الشركات الأجنبية.
فنزويلا سوف تصل إلى ملعب القوى، لأنها استطاعت بالفعل طرح نفسها كنموذج بديل للتنمية والمساواة والتضامن والبيئة والديمقراطية، وذلك لأن سكانها سوف يكونون على مستوى عال من التنمية البشرية، حيث أن تأثيرها يستند بصورة أساسية إلى التزامها المطلق بالقيم الأخلاقية و المعنوية للإنسان الجديد الذي يحتاجه كوكبنا في الوقت الحاضر . إن فنزويلا ستكون في جميع الأحوال قوة ناشئة من نوع جديد، ولن تكون قوة حربية على الإطلاق، مستندة بذلك إلى قدراتها الذاتية التي تمثل نتاج تاريخها ونوعية مواطنيها. وباعتبارها قوة ناشئة، لقد حققت فنزويلا توطين النشاط الإنتاجي، وخلقت دورات حميدة للإنتاج والاستهلاك على أساس الإمكانات الذاتية للتنمية، و الموجهة أساسا لتلبية الاحتياجات المحلية والإقليمية؛ وكذلك تعميق تكامل سلسلة القيم التي تحتل فيها مزايا نسبية و تنافسية واضحة. ستكون باختصار قوة من نوع جديد، حاملة لنموذج جديد للتنمية، يساهم في صياغته و تنفيذه غالبية الشعب، ولا سيما المجتمعات المنظمة.
إن الخصوصيات الذاتية والموضوعية لتنفيذ مثل هذا المشروع متوفرة. دعونا نلقي مراجعة سريعة على السمات التي تملكها فنزويلا والتي تمكنها من لعب دور أساسي في الإطار الإقليمي والدولي .
التقاليد التاريخية من النضال من أجل الاستقلال و التكامل في أمريكا اللاتينية. لقد لعبت فنزويلا دائما دورا فريدا في أمريكا اللاتينية؛ فمنذ بدايات الإحتلال وقفت بوجه الغزاة الإسبان كقوة لا تقهر، وأظهرت مقاومة متواصلة طوال الفترة الاستعمارية. ففي التحرر توّجت باعتبارها أمة بطلة وفريدة، قدمت بقيادة المحرر، ألمع وأنجع الصور لتلك العملية. علاوة على ذلك، لقد تميزت حياة الجمهورية على الدوام بالنضال من أجل التحرير .
الموقع الجيوستراتيجي. تحتل فنزويلا مكانة خاصة في جغرافيا أمريكا اللاتينية، كما أن لديها من البحر الإقليمي، منطقة اقتصادية واسعة خصوصا في البحر الكاريبي، غير مستغلة عمليا في الوقت الحاضر. وكبوابة لأمريكا اللاتينية، لديها القدرة على أن تصبح محطة استقبال ونقل تدفق السلع و الأشخاص الذين يتوجهون إلى هذا الجزء من العالم. وقد تلقى تطوير نظم المواصلات والطرق مع دول الجوار دفعة كبيرة منذ عام 1999. واليوم، يعتبر المعبر الحدودي بين كولومبيا و فنزويلا هو الأكثر نشاطا وحيوية في أمريكا اللاتينية. كما أن وضع فنزويلا كدولة محورية في شمال أمريكا الجنوبية يتعزز بصورة أكبر عندما تتحقق اتفاقات التكامل على مستواً عال على الحدود مع البرازيل، والتي سينعكس تاثيرها على المنطقة بأسرها. باختصار، فإن فنزويلا لا تقع فقط في تقاطع الطرق المؤدية إلى عمق أمريكا اللاتينية، بل يمكن الوصول من خلالها إلى أي جزء من العالم .
بلد كثير التنوع البيولوجي. إن فنزويلا هي واحدة من 17 دولة ذات التنوع البيولوجي الشديد في العالم، فهي تنتمي إلى المجموعة الصغيرة التي تضم 70٪ من الأنواع الأحيائية المعروفة، وهذا ينطوي على مسؤولية كبيرة تجاه البشرية جمعاء. وفي الواقع ، إضافة إلى مسؤوليتها عن حماية وصون المناطق الطبيعية، مع التكاليف التي تترتب على ذلك، فإن البلدان ذات التنوع البيولوجي الشديد هي بحكم الواقع مجبرة على أن تكون مسؤولة أمام العالم عن كيفية إدارة هذا التنوع، وتخضع لضغوط عديدة لا تنبثق من نوايا سليمة. وكونها بلد ذات تنوع بيولوجي شديد يُفترض أن السلع والخدمات البيئية القادر على تقديمها للإنسانية تعتمد بشكل كبير على قدرتها الإدارية وعموما على قوتها كدولة مستقلة وذات سيادة؛ وخلاف ذلك، فإن الدولة الضعيفة تكون دائما فريسة لأصحاب المصالح الخاصة، محلية أو أجنبية، والتي ستضر بالتوازن البيئي دون شك. لقد تم تعزيز إدارة البيئة في فنزويلا، فالبيئة لا تمثل فقط قطاعا رئيسيا من قطاعات العمل العام ، يتمتع بميزانية كبيرة ، ومحمي جيدا بترسانة تشريعية متطورة جداً، ويتمتع بأداء مؤسسي فريد خلال سنوات الحكومة البوليفارية، لكنه أيضا يتمتع ببنية تحتية و قدرات لوجستية تنتشر في جميع أنحاء البلاد. تقدم فنزويلا أفضل الضمانات لشعبها وللعالم أجمع؛ بمعنى أن أراضيها لن تكون عرضة للنهب، كما حصل في أوروبا و أمريكا الشمالية منذ بزوغ فجر الرأسمالية. ستبقى فنزويلا قوة كبيرة في مجال التنوع البيولوجي، و هو ما يؤهلها لأن تكون متلقياً كبيراً لتدفقات غير تقليدية من السواح، بالإضافة إلى التطورات التقنية والعلمية التي يمكن أن تتحقق.
قدرتها في مجال الطاقة والصناعة والزراعة. إن الإحتياطيات الضخمة من النفط والغاز (الهيدروكاربونات)، والقدرة على توليد الطاقة الكهرومائية وطاقة الرياح و الطاقة الشمسية، ناهيك عن القدرة على توليد الكتلة الأحيائية، تجعل من فنزويلا واحدة من أفضل الدول الغنية بموارد الطاقة في العالم . وعلاوة على ذلك، فإن البلاد تنتج المدخلات الأساسية في سلسلة إنتاج الحديد والصلب والألمنيوم والبتروكيماويات، و صناعة الغابات، على سبيل المثال لا الحصر، فإن بعض الصناعات الرائدة ، تمتلك حاليا كافة الوسائل الضرورية لتنفيذ أهدافها في التنمية التحويلية. إن سياسات ومشاريع الحكومة البوليفارية تهدف على وجه التحديد إلى زيادة التكامل الرأسي لسلاسل الإنتاج من أجل إضافة المزيد والمزيد من القيمة إلى الإنتاج المحلي و تلبية الطلب المتزايد للصناعة المحلية والمستهلكين. كما ينطوي القطاع الزراعي على إمكانات هائلة للتنمية، إلى درجة أن العديد من الخبراء يقدرون أن فنزويلا ليست فقط قادرة على ضمان أمنها الغذائي بل يمكن أن تصبح أيضا مصدرا رئيسيا للأغذية والمنتجات الزراعية بشكل عام .
التماسك السياسي- الايديولوجي للغالبية من السكان حول مشروع وطني. هيأت الحكومة البوليفارية الظروف الملائمة للشعب الفنزويلي ليعترف بذاته ككيان فريد من نوعه ولا يمكن استبداله تجاه الآخرين، فخور بماضيه وحاضره، وليس بوصفه كيان تابع وذليل في السياق العالمي. لقد استعادت سياسات عامة وشاملة الثقة في الدولة كضامن لتنظيم وإدارة المجال العام وقائد نموذج للمجتمع بأسره. وقد تم تعزيز التماسك الاجتماعي في فنزويلا، وبالتحديد، لأن القطاع العام قد اكتسب دورا قياديا. إن التنمية الحقيقية لا يمكن أن تتحقق إلا في ظروف مصحوبة بدرجة عالية من الاندماج الاجتماعي، وعندما توحد الثقة والتضامن و التعاون المجتمع حول أهداف مشتركة كبيرة. وبدون القاسم المشترك الذي يمثل مشروعاً وطنياً كبيراً، فإن فنزويلا لا يمكن أن تكون لاعباً بارعاً في صنع القرار على المستويين الإقليمي والدولي. هذا المشروع الوطني الكبير هو عبارة عن بناء نموذج اجتماعي بديل، اشتراكي بوليفاري، معتمدا على تلاحم غالبية الشعب والإمكانات الكبيرة في مجال الاستثمار والعمل العام التي تتمتع بها فنزويلا في الوقت الحاضر .
سياسة خارجية نشطة ومستقلة. إن احدى أبرز سمات الثورة البوليفارية هي سياستها الخارجية. لقد تمكنت فنزويلا انطلاقا من خندقها الدفاعي، من نسج مجموعة واسعة ومتنوعة من العلاقات و التحالفات الاستراتيجية الغير مسبوقة والتي تعزز موقفها الدولي وتمكنها ليس فقط من نشر إنجازات وتحديات الثورة البوليفارية على مستوى العالم، بل أيضا تولي مناصب عامة لصالح التغيير الاقتصادي والاجتماعي وضد تدمير البيئة. وفي هذا المجال، تقف فنزويلا كمحرك أساسي في العالم من أجل شمولية جديدة وحقيقية تهدف إلى تحقيق التنمية البشرية، وليس إنشاء نظام محكوم بالسعي وراء الربح والسلطة.
وهكذا، بمجرد إلقاء نظرة إلى الوراء، نجد في التاريخ الأسباب التي تقدر لفنزويلا لعب دور بارز في سياق أمريكا اللاتينية والعالم. وبمجرد استعراض صفاتها الأساسية نستنتج أن هذا البلد سيكون عاجلا غير آجل حاملا لمهمة تاريخية ممكنة الحقيق لا يمكن وصفها الآن. وبمجرد مراقبة ما حدث في فنزويلا في السنوات ال 25 الماضية ندرك أن قوى التغيير في هذا البلد قد نشطت لدرجة أنه لا يمكن لأية قوة إمبريالية، مباشرة أو غير مباشرة، تحييدها. إن الشعب الفنزويلي لا يمكن أن يتهرب من مهمته، كما انه لم يفعل ذلك أثناء حرب الاستقلال، المهمة مرسومة.