الشيخ نوح وإعادة الاعتبار للإسلام الرسمي
ياسر ابوهلاله
01-03-2007 02:00 AM
قلّ أن تجد شخصية مرجعية إسلامية في الأردن تحظى بثقة الناس مثل الشيخ الدكتور نوح سلمان القضاة. فالرجل كسب قلوب الناس وثقتهم من خلال القدوة العملية في المؤسسات التي بناها أو عمل فيها. ظل يُنظر إليه عالما عاملا بعيدا عن الخلافات السياسية أو المذهبية، يحبه الرسميون والمعارضون على السواء.
عُرف الشيخ نوح من خلال عمله مفتيا للقوات المسلحة، وفي غضون عمله تمكن من تحويل الإفتاء إلى مؤسسة منضبطة تعمل بكفاية حتى اليوم. وترك وراءه إرثا مايزال فاعلا ومنتشرا داخل مؤسسات الدولة والمجتمع. وما نجاحه إلا لأن عمله لله لا لسلطة ولا لجاه، نحسبه كذلك والله حسيبه، عندما تقاعد من القوات المسلحة عمل قاضيا للقضاة وسفيرا في طهران، وظل هو هو لم يتغير حتى بعد أن ترك العمل الرسمي.
صحيح أن للشيخ نوح درجة علمية وخبرة واسعة في مواقع مهمة، غير أن ذلك كله لا يصنع مفتيا. الأهم من ذلك هو "القبول" وهي خصلة غير مكتسبة يهبها الله لعباده. وهذا ما ظل الأردنيون يفتقدونه في كثير ممن يتصدرون المنابر ويتبوأون المواقع الرسمية. أسوأ من ذلك تقديم أشخاص غير أكفياء للفتوى بسبب الرضا الرسمي عنهم. وإقصاء أكفياء بسبب مواقفهم السياسية.
جاء تعيين الشيخ نوح ليسهم في إعادة الاعتبار للإسلام الرسمي، ليس تفريقا بينه وبين إسلام آخر شعبي، ولكن توصيفا للرعاية الرسمية للدين. والمفتي العام واحد من المناصب الرسمية التي تعينها الدولة. والمفترض ألا يكون ثمة تنافر بين المؤسستين الرسمية والشعبية. فكلاهما يكمّل الآخر.
أخطأ النظام العربي الرسمي عموما عندما حاول إلحاق عالم الدين بالسياسي فخسر الاثنان. قوة عالم الدين باستقلاليته مثل أي عالم في أي علم. استقلالية مؤسسة الإفتاء مثل استقلالية الجامعات لا يجوز أن تكون تحت رحمة الأهواء السياسية. لننظر ماذا فعلت الدولة المصرية بالأزهر وكيف فقد شيخ الأزهر نتيجة ذلك حضوره في العالم الإسلامي وفي مصر نفسها، بعد أن كان أعلى هيئة مرجعية للمسلمين في العالم.
تحويل علماء الدين إلى ملحقين بالسياسي يزينون أخطاءه وخطاياه هو ما أعطى الخطاب المتطرف صدقيته. فالرأي العام لا يثق بمن يجير فتواه للسلطان، المؤكد أن الشيخ نوح وهو من عمل في أكثر المرافق الرسمية حساسية؛ القواتِ المسلحة، ليس من النوع الذي يقبل بدور الملحق بالسياسي أيا كانت مواقفه.
تكسب الدولة ويكسب المجتمع بوجود عالم دين له استقلاليته، وبذلك تتعزز الوسطية والاعتدال، لكن ذلك لا يعطي الدولة حق احتكار الفتوى. فالفقه الإسلامي قام على مدرسة تعدد الصواب، والشيخ نوح الذي كانت الناس تستفتيه وهو في بيته بدون أي منصب رسمي هو ذاته المفتي العام للمملكة. لكن ذلك لا يعني أن البلد ليس فيها علماء دين غيره لهم الحق في الفتيا وتقديم اجتهادات أخرى قد توافقه أو تخالفه.
بهذه المناسبة على الدولة أن تعطي الشيخ المساحة التي يستحقها في المنابر العامة سواء خطب الجمعة المنقولة على الهواء أو الدروس الدينية على التلفزيون الأردني. وهو قادر على نشر الفكر الوسطي المعتدل بقوة النموذج لا بإملاء الدولة.
yaser.hilala@alghad.jo