كان التقليديون من المعارضين السياسيين العرب يرحبون بثورة جيل الـ«فيس بوك» قبل 3 أعوام، وأنه قد انتهى زمن الإعلام المدجن، وحان وقت الإعلام الحر، وأن الشباب هم قادة الوعي، وأنهم يفهمون وحكماء، وحريصون على المصلحة الوطنية العليا. وروج من ينسب للنخبة لهجاء النخبة في حالة مرضية من التملق لجماهير الشباب!
قالوا كثيرا وغزيرا من غرر المدائح في فتية الديجيتال.
الآن كثير من مزجي هذه المدائح عادوا لآليات التفكير القديم، تفكير الشيوخ، وأن «الحكمة» تقتضي عبور المرحلة وتدعيم الدولة، كما يجري الآن في مصر، حيث من كانوا يبجلون وائل غنيم وشباب «6 أبريل» بالأمس، اصطفوا اليوم خلف خارطة الطريق التي رسمها الجيش، ونسوا أو تناسوا مدائحهم في الشباب الجديد، واعتبروهم الآن صناع فوضى، كما فعل بالضبط رموز السلطة الإخوانية ورفاق مرسي وبديع وهم في الحكم، حيث مدحوا في ميدان التحرير جيل الشباب، وأدرجوا معهم ثلة من «شبابهم» دون الإفصاح عن إخوانيتهم، ولما وصلوا للحكم «طنشوا» الشباب الثوريين، بل وهدد مرسي صناع الفوضى هؤلاء بالحزم وحذرهم من غضبه. واليوم يحاول رموز «الإخوان» بعد خروجهم من الحكم استخدام هؤلاء الشباب مرة أخرى وقودا في معركتهم «على السلطة» مع الحكم المصري الحالي.
الخطأ في البداية يورث خطلا في النهاية، والمقدمات المغلوطة تعطي نتائج سيئة، هذا هو حكم العقل وتلك هي سنة التاريخ.
دوما الشباب هم وقود النار السياسية، الشباب يصدقون ويعتقدون أنهم من بيدهم تغيير هذا السوء في العالم، هم فقط، وكل الأجيال السالفة منذ فجر التاريخ لم تفلح في هذه المهمة.
هل رأيتم يوما ما «شيخا» أو كهلا، يزنر نفسه بحزام ناسف و«يستشهد» في موقع من يقال إنه عدو؟
عمر الانتحاري، غالبا، من 17 إلى 27، قليل من يتجاوز هذا، بل ثمة أطفال في العمل الانتحاري.
الشباب، من كل اتجاه ولون عقائدي، ماركسي أو قومي، نازي أو ليبرالي، سني أو شيعي، وغير ذلك، هم من يقدمون لحمهم ودماءهم قربانا على مذبح الأهواء السياسية وهم يحسبون أنهم يحسنون عملا.
الكل يستخدم حرارة الشباب المغطية لعقولهم حتى يبلغ حاجة في نفس يعقوب السياسة والأهواء، والكل يتخلص من بقايا النار والجمر هذه تحت صخور الحكم ومياه اللذة.
«ولقد بكيت على الشباب ولِـمَّتِي.. مُسْودَّة ولمــاءِ وجهي رونقُ
حذرا عليهِ قبل يــــــومِ فراقِه.. حتى لَكِدْتُ بماءِ عيْنِي أشرقُ».
(الشرق العربي)