المسيحيون في سوريا: "درب الجلجلة الحزين"!!.
د. زيد نوايسة
01-12-2013 02:38 PM
لا يمكن النظر إلى ما يجرى للمسيحيين العرب في سوريا في هذه اللحظة التاريخية الفارقة في تاريخ العالم العربي والشرق منه تحديدا، دونما التطرق بوضوح إلى محاولة القتل والإقصاء والتهجير التي يتعرض لها مكون وطني أصيل من مكونات ألامه العربية بشعبها وثقافتها وحضارتها، ولعل ما يجري هناك حاليا هو ابرز هذه العناوين وأكثرها مأساوية، مع الإشارة أن كل مكونات المجتمع السوري تتعرض لتلك الحالة ولكن بتفاوت يختلف من منطقة لأخرى.
ولعل الدور الذي قام به المسيحيون العرب لا يحتاج لإعادة تعريف أو استعراض ولا يمكن لقارئ موضوعي لتاريخ الأمة أن ينكره أو يقفز عليه، فابتداء من الدور المركزي في مقاومة الهيمنة التركية التي طالت حقبتها قرونا عديدة ، كان المسيحيون العرب ومفكريهم ورجال الدين منهم المبادرين للمساهمة في مقاومة سياسة التتريك، فساهمت الأديرة والكنائس، في حفظ كتب التراث، والثقافة العربية، وأقدموا على بناء المدارس والمعاهد وركزوا على تكريس تدريس اللغة العربية في أكثر من دولة عربية ، ولم تقتصر عملية التدريس والتنوير، والترجمة على بلاد الشام، بل امتدت لتشمل دول المغربي العربي، حيث الاستعمار الفرنسي وسياسته في إلغاء العروبة لغة وفكرا وثقافة.
ولا مندوحة من التذكير هنا، بأن إيمان المسيحيون العرب بعروبتهم ولغتهم العربية مقدس وفوق كل نقاش، لأنها الوعاء المعبر لثقافتهم وتميزهم القومي كمواطنين عرب أولا ، فقد كان الأوائل منهم أساتذة في العروبة حملوا معهم تراثها أينما حلوا وحيثما ارتحلوا ، وممن تصدى وثار ورفع لواء العروبة أبان الحقبة الاستعمارية، وحذر وذكر وساهم مع المسلمين بأن العرب خير أمة أخرجت للناس.
ولعل ما دفعني للحديث في هذا الأمر مباشرة، هو أن السكوت على ما يجري في المنطقة، وفي سوريا بشكل خاص، مما يتعرض له المواطنون العرب المسيحيون هناك من جرائم قتل وترويع وإقصاء واختطاف رجال الدين، ومصادرة حريات شخصية ودينية هو جريمة في حق العروبة أولا والمواطنة والكرامة الإنسانية ثانيا، يتحملها كل الصامتون مهما كانت مواقعهم ودوافعهم، وكل الداعمين "تحت أي مسمى" لهؤلاء القتلة الذين تكفلوا بهمجية غير مسبوقة في تاريخنا العربي والإسلامي، بنزع ذلك التسامح الذي مثله الإسلام العظيم ورسالته في العدالة والمحبة والإنسانية، والعيش مع الآخر، فكيف يمكن قبول تدمير دور العبادة من أديرة وكنائس وأوابد تاريخية تؤكد أصالة الحضور المسيحي في الشرق، ومصادرة ممتلكات الناس ومساكنهم، وحقهم في الحرية والحياة بكرامة في وطن كانوا فيه وساهموا في بنائه منذ أن كان!!.
سيظل المسيحيون العرب ومنهم المسيحيون في سوريا، جزءً أصيل من مكونات هذه ألامه التي لاتموت، وان تعرضت لانتكاسة قاسية كما هو الحال، ومهما اشتدت حلكة خريف المؤامرة والضياع في عالمنا العربي وسوريا منه، إذ لا يمكن تبرير ما يقدم عليه أدعياء البحث عن الحرية والثورة في قتل وتهجير وإقصاء مواطنيهم، فمن يريد الحرية، ويدعي السعي إليها، ويؤمن بها سلوكا لا تنظيراً، لا يصادرها من غيره، ولا يقصي أي مكون في وطنه.
على أن أحدا لا يعفى من المسؤولية التاريخية فيما يجري، بدءً من جامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والقوى والأحزاب القومية والإسلامية، وربما أن مسؤولية استثنائية ومضاعفة تقع على عاتق قوى الإسلام المتنور والحقيقي في التصدي لهذا السيل الجارف من الحقد، والكراهية، والدمار،وإلغاء الأخر، والذي لن يسلم منه احد في هذه الأمة.
ولعله من المناسب الإشارة هنا أن رسالة عمان بكل ما تمثله من عناوين الإسلام الحقيقية وسماحته وتقديره للآخر ونبذها للعنف، والإقصاء، تشكل مدخلا مهما يمكن الانطلاق منه، والبناء عليه للتصدي لذلك الخراب، وأثاره المدمرة التي ستدخل الأمة بكل مكوناتها في نفق مظلم، لا يعلم إلا الله سبحانه وتعالى نهايته، وحتى لا نكون "كيهوذا الاسخريوطي" الذي باع السيد "المسيح"عليه السلام، بثلاثين من الفضة قبل صياح الديك.