بمناسبة مرور اثنين و أربعين عاماً على جريمة اغتيال دولة المرحوم وصفي التل بالقاهرة، هذه الشخصية التي أجمعت على نزاهتها كل الأطياف الأردنية بعد استشهادها، أما في حياتها فقد نالها من سهام الأعداء ما نالها.
نستذكر هذا التاريخ مع الترحم على هذه الشخصية الفذة التي أصبح ضريحها قبلة الحراكيين في الربيع العربي. و أرجو أن يسمح لي محبو الشهيد و أنا منهم أن أتوقف عند بعض الأمور التي تخص المناسبة.
أول هذه الأمور هي تسييس الشهيد، وذكرى استشهادة و ضريحه، و هذا جزء من الربيع العربي. فلم نسمع بأحد ذهب لضريح الشهيد ليستذكر مآثره قبل موضوع الربيع.
و على ما أذكر فان الزيارة الأولى للضريح ضمت شخصيات ربما لم يكونوا (أو آباؤهم) على وفاق مع سياسة الشهيد بتلك المرحلة. فجاءت زيارتهم للضريح من باب مناكفة الدولة ليس إلا. إلا أن الزيارة هذه السنة جاءت من قبل شخصيات أحسبها وصفيّة التشكيلة و الروح و لا أزكي أحداً، فلا يعلم أسرار البشر إلا خالقها.
الأمر الثاني هو أن هذه الزيارة تشكل إشارة لنزاهة المسؤول، و تظاهرة من أجلها؛ فزيارة الصحب إلى ضريح الشهيد هي رسالة لمن يهمه الأمر حول نظافة يد المسؤول و ليس لمكافحة الفساد بالدولة.
فالشهيد لا يختلف على نزاهته الشخصية أثنان، و يدلل على نزاهته بيته المتواضع في الكمالية الذي لا يخفى حاله على أحد ممن زاره. أما الفساد في الدولة عموماً فهو كالفساد البشري، و كأنه يُولد مع الأشياء. فلم ينتهي الفساد بحكومة دولة الشهيد، تماما كحال من سبقه و من بعده من الحكومات. لا أدري أن كانت جرت محاكمات لفاسدين في عهده أم لا! لهذا يبقى ذكر الشهيد كنزيه فردي طبعاً، و ربما حاول من خلال ذلك أن يضرب القدوة لمن معه في الحكومة، و لا أدري إلى أي مدى تحقق له ذلك.
الأمر الثالث هو أن قوة المسؤول من قوّة الدولة؛ فهو يضرب بسيفها. و الدولة جزء من تنظيم دولي فهي ليست بمعزل عن العالم، و تتصرف بميزان علاقاتها الدولية. تقوى الدولة فيقوى المسؤول و تضعف فيضعف، و يلجأ للأمن الناعم. و كل الأمور التى قَوي فيها المرحوم وصفي التل كانت بعهد قوة الدولة.
لهذا جاءت قوة الشهيد من قوة المرحلة التي عاش بها و التي تطلبت إجراء حازماً، و أتحدث هنا عن حوادث 1970 و التي أدت إلى استشهاده. و لا ننكر طبعا تنوع خبراته العسكرية و القيادية و التي أشار اليها الكاتب ناهض حتر بمقاله حول ذكرى الشهيد.
الأمر الرابع و هو أنه من الظلم للأردنيين القول بأن النساء لم يلدن مثل وصفي؛ و قد يُقبل مثل هذا القول من قبيل المبالغة في حبه؛ أما إن كان من يقوله مؤمناً بأن لا يوجد في الأردن من هو بشخصية و قوة إرادة المرحوم فهذا إجحاف بحق رجالات الأردن؛ و إلا فكيف أديرت الدولة من عام 1971 إلى هذه اللحظات.
نعم هناك رجال كنا نتغنى بهم في فترة معينة، و قادوا الحراكات و تحكموا في بوصلته و سار خلفهم قيادات حراكية بتناقضاتها، و لم يأفل نجمهم إلا بعد أن قبلت زوجة ابنه بالوزارة؛ و أتحدث عن دولة السيد أحمد عبيدات الذي قبلت به الحراكات جميعاً كقائد لها. و لا أريد أن أعرج على أسماء أخرى حتى لا ندخل بمن مع أو ضد، لكن يكفيني أن أذكر أيضا الدكتور عون الخصاونة. ومن يشكك بهذا أعيده الى الفقرة السابقة.
الأمر الخامس و الأخير و هو يتعلق بالمناسبة نفسها؛ فحتى لا تكون ذكرى استشهاده مجرد بكائية فقط نقف على أطلال الذكرى و نخطب و نندب و نبكي و نعود أدراجنا، فإنني أقترح تأطير فكر الشهيد بإطار يكون مدخلا لتشكيل حزب يحمل أفكاره و التي ترتكز على نظافة (شليل) المسؤول نفسه، قبل أو بالتزامن مع محاربة الفساد، فالمسؤول الذي يمد يده قطعاً لن يكون بإمكانه أن يمد رجله بوجه الفاسدين.
فالفساد إخطبوط لم تنهه أي حكومة على مستوى العالم، و لن تستطيع. و هذا الطرح يتقاطع مع ما يذهب اليه الدكتور محمد نوح القضاة في طروحاته بموضوع الحلال و الحرام.
و ربما يكون من الأفضل البدء بتيار نسميه تيار وصفي قبل موضوع الحزب.
رحم الله الشهيد و جعل الجنة مثواه، و عظم الله أجر كل أحبابه.
كل ذكرى و الوطن بخير.