الغرب، وايران و اسرائيل : سياسة التجميد لا التجريد
عادل حواتمة
30-11-2013 06:18 PM
بين مد وجزر، وعصا وجزرة تظهر ملامح السياسة الغربية في العالم العربي وجيرانه إجمالاً. فخلال العقدين والنصف المنصرمين برزت السياسة الغربية بأنماطاً مختلفة أطُرت خلالها العلاقات بحدود تفاوتت حرارتها بين الفتور والسخونة تبعاً لمقتضيات ونشأة الأنظمة السياسية في تلك الدول، ودرجة إيمانها بنفعية إقامة تحالفات مع الغرب، مع وجود هامش محلي واقليمي تستطيع من خلاله الدولة المناورة والإرتداد.
يختلف السلوك السياسي الغربي - كمعبر عن تلك السياسة - في المنطقة كما تختلفت وسائله وغاياته وأشكاله، حيث شهدت المنطقة مؤخراً صوراً لذلك السلوك تجاه أربع دول، اثنتين منها عربيتين والأخرتين إقليميتين. وقبل ذلك ينبغي ملاحظة المتغيرات التالية التي تسهم في تشكيل واقع ما قد يأخذ سياسة التجميد أو التجريد .
اولاً:- حداثة الدول أو أنظمتها بإعتبارها عاملاً يُعتمد عليه في خلق واقع داخلي صلب، يؤمن بنظرية المؤامرة وبالتالي البقاء في حالة عمل وانجاز دائمين والإستعداد لخطر استراتيجي مقبل وإن تأخر تكتيكياً.
ثانياً:- مقدار الإيمان بجدوى الرهانات القائمة على ديمومة و متانة التحالفات ذات الطابع الأحاديفي مقابل تبني خيارات متعددة في ظل تغير قد يكون عميق ومفاجئ بمنظومة المصالح وتبدل ما كان منها ايدولوجياً أو دولياً.
ثالثاً:- مدى الإرتباط الوثيق بالمنجز الحضاري، وتبنيه وإعادة ضخه في دماء وقلوب الأفراد ولو بأشكال جديدة ليخدم تجديد المنظومة الحضارية والثقافية، وبالتالي المساهمة الفاعلة في خط سير تلك الحضارة وإشعاعها.
رابعاً:- درجة الإستعداد للإنخراط في العمل الوطني والقومي كنتيجة محمودة لتربية وطنية وقومية متكاملة، تنبئنا بصلاح مؤسسات الأسرة والتعليم والإعلام والعبادة والمجتمع المدني، وبالتالي صلاح المجتمع ككل.
خامساً:- حجم التشكل بمعزل عن التاريخ، ونسف التراكمية، ومدى الإنكفاء على حاضر يزهد بالتجارب والعبر والدروس ما يستوجب الخطأ في التقدير والنتيجة.
فدرجة التعاطي ايجاباً مع تلك المتغيرات تخلق حالة من القدرة على مجاراة السياسات الغربية في المنطقة والتأثير عليها وطبعها بطابع الندية ، وقد أولت كل من إسرائيل وإيران تلك المتغيرات إهتماماً بالغاً فظهرتا بصورة الدول التي يتجنب الغرب صداماً حضارياً أو مصلحياً وحتى عسكرياً معها، وبالتالي يتم التعامل معها وفقاً لسياسة " تجميد الإستيطان الإسرائيلي" الذي يعتبر أكثر ما يستطيع الغرب فرضه على إسرائيل بما لا يتجاوز الستة شهور، دون الجرأة بالدخول في تفاصيل الحقوق التاريخية المزعومة، والإنحياز لحقوق الإنسان أخلاقياً وأممياً، مضافاً لها الفتور في فرض قرارات الأمم المتحدة (242) و(338) .
و بنفس الإسلوب تطبع إيران تسوية قضيتها بسياق سياسة " تجميد ايران تخصيب اليورانيوم " في مفاعلاتها النووية مدة ستة شهور، نتيجة لإتفاق جنيف الذي تم مع الدول ( 6+1) - الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن والمانيا - ووفقاً لذلك فهذه السياسة تحتمل التأجيل والتأخير وليس كما حصل مع العراق من " تجريد لأسلحته الكيماوية و التقليدية المتطورة " بعد إستخدام القوة المباشرة و في حين غفلة وتآمر عربي.
وما تم مؤخراً من " تجريد سوريا من سلاحها الكيماوي" بنفس السياق تقريباً وتحت وطأة التهديد بإستخدام القوة، - مع التحفظ على سياسة النظام السوري الآن فيما يتعلق بدوره وعنفه في النزاع الدائر- .
ويجمع بين هاتين الدولتين عوامل قد تكون مشتركة ساهمت في تمثلهما "للتجريد" المتمخض عن السياسة الغربية بالآتي:-
أولاً:- العروبة والقومية، فالدولتان تنتميان للعالم العربي، وكلتاهما مؤمنتان بالقومية العربية وعاشتا نظامين سياسيين بعثيين انتهى أحدهما سياسياً على الأقل، في حين لا يزال الآخر في حالة غير مستقرة ويمر بمرحلة حسم.
ثانياً:- العداء لإسرائيل، شاركت كلتا الدولتين بحروب ضد إسرائيل، كما أن ضعف المنظومة العلمية والإستراتيجية أدى إلى فشل القدرة السياسية على التماهي والخداع ، الأمر الذي أدى لهجوم على مفاعلاتها النووية من قبل إسرائيل" مفاعل تموز العراقي" ومفاعل" دير الزور السوري".
ثالثاً:- الحضور الإيراني، سياسياً وعقائدياً بقوة فيهما، وعلى مستويات رسمية وشعبية، بموازاة زهد عربي في الإنخراط المباشر مع تلك الأطراف.
رابعاً:- هناك حالة من العدائية غير المعلنة وعدم التوافق تلف تاريخ العلاقة بينهما وبين دول الخليج العربي؛ لإعتبارات القومية وغيرها.