تقدمت «انجولا»، الدولة الافريقية الغارقة في ازماتها وحروبها الاهلية، المشهد الاعلامي وبخاصة اعلام حركات الاسلام السياسي التي بدأت حملة ادانة واستنكار لما قيل أن الحكومة الانجولية اقدمت على إصدار قرارات – إذا صح انها كذلك – فإنها تستحق بالفعل تلك الادانات والاستنكارات بل واكثر من ذلك في فضح هذه القرارات والاجراءات التي تلتها، على اكثر من صعيد وعمل كل ما يلزم من اجل وقفها كسابقة يصعب انها تحدث في عصرنا الحالي الذي لم تعد أي حكومة قادرة على اخفاء ارتكاباتها ضد مواطنيها (بل والمقيمين على اراضيها من جنسيات اخرى) ما بالك اذا ما أتخذت الأمور منحى اخر يتم فيها شطب عقيدة جزء من مواطنيها بقرار سلطوي كما فعلت لواندا (عاصمة البلاد) عندما «حظرت» الاسلام دينا وعقيدة وشعائر، على ما نُقِل على لسان وزيرة الثقافة الانجولية التي كشفت عن «بشاعة» هذا القرار والقول بأن حكومتها ستقوم بتكثيف حربها ضد الاسلام المتطرف الذي ينتشر في افريقيا وسنمنع شعائر الاسلام على اراضينا.
إذاً كان الأمر كذلك واقترن القول بالفعل الميداني وراحت جرافات الحكومة التي سطر شعبها ملحمة بطولية عبر مقاومة باسلة ضد الاستعمار البرتغالي، مُنتزعاً استقلال البلاد في مثل هذه الايام (11/11) من العام 1975، ما شكّل انتصارا وإضافة نوعية على مجمل حركة التحرر الوطني في العالم الثالث وخصوصا في افريقيا وبالتحديد على الحركات التي كانت تقاوم نظامي الفصل العنصري في روديسيا (زيمبابوي حاليا) وجنوب افريقيا، فضلاً عن «النقطة» المهمة التي سجّلها الاتحاد السوفياتي تجاه الولايات المتحدة الاميركية التي كانت تعيش اسوأ لحظات تاريخها الحديث، بعد الهزيمة المدوية التي لحقت بها في فيتنام قبل سبعة اشهر من استقلال انجولا (25 نيسان 1975) واضطرار السفير الاميركي في سايغون (هوتشي منه حالياً) الهرب - عبر حبل انزلته طائرة هليوكبتر - من على ظهر السفارة، وانتشرت الصورة في معظم انحاء العالم كدليل ساطع، على قدرة الشعوب على هزيمة الترسانات العسكرية الضخمة حتى للقوة العظمى في العالم، اذا ما توفرت لديها الارادات والقيادة الوطنية الصلبة ودعم الاصدقاء..
اين من هنا؟
بعد اربع وعشرين ساعة من حملة حركات الاسلام السياسي على انجولا وانتشار خبر «حظر» الاسلام وبدء هدم المساجد (بالمناسبة عدد المسلمين هناك لا يتجاوز مائة الف والمساجد يصل مجموعها الى 80 مسجداً) تبيّن ان ثمة مبالغات وانعدام الدقة في ما تم نشره، بل ان الحكومة الانجولية نفسها قامت بنفي الخبر جملة وتفصيلا، عبر مدير المعهد الوطني للشؤون الدينية التابع لوزارة الثقافة والذي قال «ليس هناك حرب في انجولا على الدين الاسلامي او اي ديانة اخرى»..
اما «المساجد» التي هُدمت فهي في واقع الحال وكما قالت وكالات الانباء انهما «مسجدان» فقط احدهما بُني بدون ترخيص والآخر أقيم على ارض ذات ملكية خاصة، وهنا تتوارد المزيد من الاسئلة الحائرة والباحثة عن اجوبة، نحسب انها لن تتوفر وخصوصاً بعد انكشاف الحقيقة، لأن الجهات التي وقفت خلف حملات التحريض والاثارة والتوظيف والشحن الغرائزي باتت محرجة، فالفرصة التي حاولت اهتبالها تبددت وعادت عليها بالخسران، وكان حريّاً بها ان تُدقّق قبل بث اخبار كهذه والتحقق من مصادرها ومغادرة المربع التي استمرأت الوقوف فيه، وهو مربع الضحية والظهور بمظهر الشهيد والمُستَضْعَفْ الذي يتكالب المستكبرون عليه، والمسارعة الى مراجعة خطابها ومقارباتها العدمية والتخلي عن تلك الاساليب والمقارفات والفتاوى التكفيرية ورفض الآخر (بل ورفض الشريك الوطني والديني) وعدم الاصرار على احتكار الحقيقة ونبذ العنف والارهاب على النحو الذي منح اعداء الاسلام (وهم كثر) الفرصة تلو الاخرى لتشويه هذا الدين العظيم والتحريض عليه والتخويف منه وجعله (ظلماً وعدواناً) معادلا للظلم والقتل والارهاب والعنف، وما يساعدهم في ذلك تصرفات وارتكابات وخطاب الجماعات التكفيرية ورهط المنتحرين الذين لا يوفرون مسجداً او حسينية او كنيسة، ولا يتورعون عن قطع الرؤوس والاعدامات الميدانية وقتل الناس على الهوية الطائفية والمذهبية واستسهال اصدار الفتاوى التي لا تمت الى الاسلام وقيمه النبيلة بأي صلّة.
آن الاوان لان يُدرك الذين انتدبوا انفسهم (دون تكليف شرعي او شعبي او قانوني) لتمثيل الاسلام، وليس فقط الدفاع عنه كواجب شرعي واخلاقي وانساني لكل مسلم، بأن من يسيء الى الاسلام هم الضالون والمُضلّلِون من ابنائه، وأن حملات الكراهية والتخويف من الاسلام التي تقوم بها دوائر سياسية وجماعات دينية متطرفة (في الدوائر غير الاسلامية) انما هي ردود افعال في معظمها. وعلينا، إن أردنا صدّ هذه الحملات ومسلسلات التخويف والاساءة، ان نبدأ بانفسنا وإدانة وفضح الذين يُتاجرون بالاسلام او يُصدرون الفتاوى ويرهبون العباد ويحاولون اعادتنا بالقوة الى قرون سابقة. كانت لها ظروفها وتوازناتها المجتمعية والقبائلية وصراعاتها الداخلية وايضا الخارجية.
هل تسألون عن مسلمي بورما (مينيمار)؟
اسألوا منظمة التعاون الاسلامي واولئك الذين يحتكرون النطق باسم الاسلام واصدار شهادات الايمان والكفر للناس.
(الرأي)