إذا عجز الواحد منا عن التعبير عما يجول في روحه من هواجس، واضطر إلى استخدام مفردات إضافية لشرح ذاته، حتى إلى اقرب الناس إليه، تلافيا للاهتزاز الذي قد يعتري صورته أمام الآخرين المتواطئين على انتهاج نمط معين في التعامل مبني في أساسه على المجاملات والالتفاف على الحقيقة لأنها غير قابلة للاحتمال أحيانا لفرط قساوتها! إذ اضطر إلى اللجوء للتحايل بكل الوسائل الممكنة كي يتفادى إزعاج الأصدقاء غير المعتادين على الوضوح والمباشرة كأسلوب حياة، وبالتالي فإنه سوف يصبح مهددا بخسرانهم الواحد تلو الآخر.
إذا توقع الجميع منه الموافقة بصورة دائمة على ما يصدر عنهم من أقوال وأفعال وآراء ومواقف وأمزجة، من دون التفكير بإبداء أي رأي أو ملاحظة أو إيماءة قد تخدش أوهامهم المتأصلة حول امتلاكهم لمفاتيح الحكمة والمعرفة حصريا!، عليه هنا أن يتقن دور المستمع المحترف الذي يجيد هز رأسه موافقا،من دون أن يجرؤ على المقاطعة حتى لو كانت بهدف النحنحة البريئة المحايدة!
إذا تواطأ مع من يقترفون الكذب كنهج حياة وكسلوك يومي ومجاني في معظم الحالات، حرصا على مخيلاتهم الجامحة والمتعطشة إلى مزيد من الإثارة والاهتمام والتشويق والاستحواذ. إذا تردد في مواجهة من ارتكب بحقه سلسلة من الإساءات، وتغاضى واستهان وأبدى كما هائلا من التسامح غير المبرر تحت ذريعة العفو عند المقدرة.
إذا تمكن من التحكم بانفعالاته طوال الوقت ولم يخرج عن طوره مرة واحدة بحجة التماسك ورباطة الجأش، مؤجلا فيضانات روحه إلى حين ميسرة، إذا كف عن الدهشة والشغف والتوق والرغبة باجتراح كل ما هو مختلف، إذا تمكن من رسم تلك الابتسامة "الجوكرية" الباردة المحايدة منزوعة المعنى والدفء، في مواجهة كل الوجوه التي يتعثر بها على اختلاف وتباين مشاعره نحوها، إذا استمرأ الوتيرة المسالمة لكلماته والإيقاع المنخفض لنبرة صوته مقتنعا أن ذلك اقل إزعاجا لنفسه كما للمجموع، إذا استعذب السير ملاصقا(للحيط) متوهما أن ذلك سوف يؤدي بالضرورة إلى السلامة والنجاة من مجموعة مخاطر وارتباكات ومنغصات من شأنها أن تؤدي إلى عيش متكدر بلا طائل.
إذا أصبح دمه غير مؤهل للفوران انتصارا لحق مهدور واكتراثا لمصير مظلوم، انسجاما مع طروحات عملية مستندة إلى معطيات واقع تروج إلى نمط استجابة اقل عاطفية وأكثر عقلانية وتفهما وقدرة على التعاطي مع الأزمات بروية وحكمة وصبر وأناة.
إذا أصبح على نحو مفاجئ اقل حدة وحرارة، قابلا للتراجع عما يعده الآخرون عنادا وتمسكا بوجهة نظر خاطئة، مبديا شيئا من المرونة والانفتاح والتقبل والانسجام مع ما كان يصنف في قائمته الاخلاقية ضمن الكبائر، إذا أصيبت آلية الحلم لديه بالتوعك، وانتاب العطب مفاصل مخيلته فكفت عن التحليق، إذا وضع رأسه بين الرؤوس ونام ليله الطويل، وحاز على رضى وقبول ومباركة جميع الأطراف على تناقضها، وظل محافظا على توازنه مكتسبا قدرة كتم غيظه إلى الأبد.
إذا أصيب الواحد منا بواحدة من هذه الأعراض الفتاكة أو بجزء منها أو أصيب بكل تلك الأعراض مجتمعة، فعليه أخْذَ نفس عميق والانفراد بنفسه لبرهة ليست قصيرة! وإجراء محاكمة عادلة ونزيهة وليست صورية للذات، ومساءلتها بحزم عند ثبوت الخطأ ومنحها فرصة تأهيل وإعادة صياغة.
أما إذا حكمت المحكمة بالبراءة التامة فذلك دليل جلي انه ما يزال يعاني وبشكل جسيم من الأعراض السالفة، وهنا ينبغي عليه وكوسيلة للحد من سبل انتشار العدوى أن يقلع عن التواصل مع مزيد من الأشخاص وذلك كإعلان مبدئي عن حسن النوايا!!
egales_60@yahoo.com