«وصفي التل» إحدى الشخصيات الاردنية التي استطاعت أن تسجل حضوراً لافتا على المستوى المحلي و الإقليمي العربي، لا يستطيع أحد ان يقلل من أثره حتى لو كان أحد خصومه على المستوى السياسي او الفكري، ويمثل نمطاً فريدا من الرجالات التي تستحق الاحترام والتقدير، وهو يمثل أحد نماذج الإخلاص الوطني، والإنجاز الأردني المتميز بكل تأكيد.
وصفي التل شخصيّة عربية اسلامية بمذاق أردني ، فقد أسهم في بناء الأردن الدولة، وأسهم في ابراز الهوية الأردنية التي لا تتعارض مع الانتماء العروبي، ولا تتناقض مع المشاعر القومية الفطرية السليمة، ولا مع منظومة العمل العربي المشترك، و ضرورة الانخراط في تحمل المسؤولية تجاه قضايا الأمة المصيرية وقضاياها الكبرى، وكان يرى أهمية بناء دولة قوية منتجة، قادرة على رعاية مواطنيها ،والرفع من شأنهم وسويتهم، وامتلاكهم القدرة على تنمية بلادهم وحمايتها وصيانتها، لتكون لبنة قوية صالحة في الجدار العربي الصلب.
عمل وصفي منذ وقت مبكر على إنشاء الإذاعة الأردنية لتكون نواة الإعلام الوطني الرسالي، القادرعلى الاسهام في رفع سوية المواطنة، والاسهام في حشد الطاقة على الإنجاز، وحض العاملين على العمل والإنتاج، والتمسك بالأرض وحرثها وزراعتها والعناية بها، وإعطائها ما تستحق من عناية ورعاية وعطاء، حتى تكون قادرة على العطاء بكفاءة، فالأرض تعطيك بقدر ما تعطيها من حب وعناية ونماء.
ومما ينقل عنه بعض معاصريه أنه كان يعمل جاهدا على تأسيس واحياء التراث المحلي على صعيد الاغنية والاهزوجة الاردنية، وكان يحرص ويشرف بنفسه على كتابة كلمات الأغنية الوطنية، ويبحث عن اللحن الوطني المميز؛ الذي يعكس اللهجة الأردنية الأصيلة ،والممزوجة بمعاني الخلق والشهامة والرجولة، بطريقة بسيطة ومحبّبة،تعكس العادات والتقاليد الاردنية المحببة، وكان يبذل جهده بالبحث عن الكفاءات القادرة على توصيل هذه الرسالة، وكان يقوم بنفسه باختيار الشخصيات وأصحاب المواهب على صعيد الصوت والأداء واللحن والنظم.
كان وصفي يجسد شخصية رئيس الحكومة الحقيقي الذي يملأ موقعه باقتدار، ويتحمل كامل مسؤولية هذا الموقع الذي يحددها الدستور،ويقوم بواجب إدارة الدولة بكل شؤونها ومجالاتها؛ على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، على المستوى الداخلي والخارجي دون استثناء، فهو يستحق لقب «دولة» بكل جدارة، فلم يكن يحمل شخصية كبير موظفين، ولم يكن خاضعاً لوصاية جهة، ولم يرخ ِ قبضته على مجال من مجالات الدولة الحيوية، ولم يكن يتهاون بتحويل البلد إلى مشيخات وجزر منعزلة، وربما يكون هذا الموضوع من أهم المواضيع التي تستحق المعالجة والحوار في الوقت الحاضر، التي تشكل احد اهم ركائز الدستور وجوهره، قبل الحديث عن التعديلات والإصلاحات، فلا يجوز أن يكون رئيس الحكومة منقوص الصلاحية، أو منقوص السيادة على شؤون الدولة الأردنية وتفاصيلها.
الاهتمام بالأرض والزراعة والمياه والغابات من أهم المواضيع التي لقيت عناية دولة وصفي التل، حيث كان يرى أن تعظيم الموارد الزراعية، وتحسين إنتاج الأرض وزيادته المطردة؛ ينبغي أن تكون عمدة الإنتاج القومي، ولذلك حرص أشد الحرص على وقف الاعتداء على الرقعة الزراعية بالبناء والزحف العمراني، كما عمل على إنشاء الغابات والتوسع في التحريج، وما زالت أثاره في هذا المجال شاهدة على عبقرية وصفي وبعد نظره وحكمته التي سبقت زمانه.
كان يهدف وصفي إلى إنشاء جيل متعلم محب للعمل والإنتاج، ومسابقة الزمن في تحصيل أرقى مستويات العلم والتقدم الذاتي،المفعم بالانتماء للوطن، من خلال إنشاء معسكرات العمل التطوعي للشباب وطلاب المدارس في ذلك الزمان وهذا ما نحن بأشد الحاجة إليه الآن.
(الدستور)