بمعزلٍ عن أي مسببات أو سلوكيات تقف وراء ظاهرة انتشار نقص فيتامين B12 بين صفوف الشعب الأردني، الا ان ثمة حقائق على الارض تشي بأن جملة اعراض مرضية جماعية تستوطن صفوف الشعب، والمسؤولين معاً دونما رغبة (حتى) في الاستشفاء أو (حتى) بالتشخيص..
كيف إذن يمكن لنا ان ندرس هذا الكم المهول من الانماط السلوكية والافعال الظاهرة لشعب باكمله.. معاً وبشكل جماعي ومنظم، إلا إذا رددناه الى نقص حاد في هرمون او فيتامين او تفاعل حيوي او قصور في اداء فسيولوجي لعضو ما.. او لعل من الاستسهال ان نرده ببساطة الى ظاهرة النقص الحاد في الفيتامين B12..!!
شعب بكامله يتحرك في مسارات محددة زماناً ومكاناً معاً.. ثم يشكو من ازمة سير خانقة، يتحرك جموعاً دونما ترتيب مسبق الى سيتي موول او الحدائق، في اوقات ندركها كلنا ونعرف انها ذروة الذروة ثم نشكو..
نُمارس قيادتنا الشائكة لسياراتنا وسط الزحام بذات الاليات التي لا تخرج عن (الزامور) المتقطع، وتبادل الشتائم بمستوياتها المختلفة، نشكو من سوء قيادة من هو امامنا وذلك المتباطئ الى جانبنا، ولا ندرك اننا نحن ايضاً امام وإلى جانب أحد آخر ممن يفكرون بنفس طريقتنا..
كلنا نُدخن اثناء القيادة.. فالسيارة بالنسبة لنا افضل الاماكن لنفث سجائرنا وتنفيخ همومنا، وهي ايضاً افضل الاماكن لانجاز اتصالاتنا وارسال رسائلنا الخلوية وتبادل (الواتس ابات) بكل ما اوتيت من نصوص وافلام ونكات.. ونُقسم كلنا أغلظ الايمان بان شرطي السير خالفنا افتراء ومزاجيةً..
مَن منّا لم يقفز عن حاجز معدني وسط شارع مكتظ للمرور الى الجهة المقابلة متصيداً ثغرات ضيقة بين سيارات لاهثة بسرعة نحو لا شيء.. مَن منّا لم يقطع الشارع فيما جسر المشاة على مرمى خطوة منه.. ونشكو رعونة السائقين.. ونتساءل غضبا عمن منح رخص قيادتهم واعطاهم سياراتهم الفارهة التي "لا يستحقونها"..!!
في حوادث السير المنتشرة اينما اتجهنا كيف تُغلَقُ الطرق برأيكم، وتتأزم الشوارع وتزدحم.. ليس بسبب الحادث نفسه ولكن بسببنا نحن الذين نتوقف تماماً لمشاهدة ومتابعة كافة التفاصيل ومراقبة الاصابات وتقييم من هو السائق الـ(..) الذي تسبب بالكارثة..
ثم نمتعض بسبب الازدحام ونتساءل لماذا تأخرت سيارات الدوريات والدفاع عن القدوم.. نحن لا ننظر الى الخلف ابداً..! من الذي لا يسير ابداً الا على يسار الطريق حتى بابطء السرعات..
ومن ذا الذي يغلق شوارع كاملة بمواكب من السيارات والمصورين والمرافقين بـ (فاردة) عرس، غير مكترث بالالاف من العالقين هم ومصالحهم وراء فرحته..؟! ثم مَن منّا لم تتح له الفرصة لمتابعة مشهد حي ومباشر لساحة حرب تتعالى فيها طلقات الاسلحة النارية بكافة اشكالها فرحا ونشوة.. ثم نعود لنتحدث عن تخلف الظاهرة وضرورة محاربتها.. تماماً حين نبرر عنف الجامعات والمدارس والمستشفيات ونسكت عنها ونشارك في استعار نارها ونشر حممها، ثم نشكو الحكومة واخفاقها في مواجهة الظاهرة.. ثم مَن منّا لم يسمع مسؤولاً برر مشاكل وزارته وقطاعه بجهل المواطن وضعفه وعدم قدرته.