قديما قالوا: هل عرفت فلان؟ هل رافقته في السفر؟ فإن لم تكن قد رافقته في السفر، فأنت لم تعرفه بعد..
لن يفصح وصف الشخص لنفسه عما اختطه من طريق في الحياة والعمل، ولن تفلح السيرة الذاتية أو الشهادات، للاستدلال عن حقيقة الإنسان إلا إذا رافقته في العمل أو السفر أو الاغتراب ..
العمل مثل السفر.. فمن خلال العمل يكتشف الإنسان أولويات الآخرين في الحياة.. وتتضح له حقيقة الشعارات الإنسانية والمهنية التي يرفعها أولئك في كل مناسبة..
أما الشراكة في السفر.. فسيكشف الغطاء عن النزعات الدفينة لدى الإنسان من خير أو شر..
نزعات يسعى كل واحد منا إلى التحايل لإخفائها بقصد أو من غير قصد.. سواء كان رفيق السفر صديقا أو قريبا أو شريك في العمل...
..
والسفر كلمة تحتمل معان كثيرة..
يحدث مثلا أن نعجب بمقالات كاتب ما، قاص أو شاعر، نقرأ في كتاباته هموما معيشية برؤية تقترب من قناعاتنا في الحياة..
وإن صادف أن اجتمعت به في جلسة خاصة أو عامة تضم مختلف الاتجاهات والرؤى.. فقد تكتشف شخصا ضيق الأفق متعنت.. لا يمت بصلة إلى ما سبق وتعرفت عليه من سعة في الأفق في كتاباته.....
ربما يكون الكاتب هو الإنسان الوحيد الذي لا يمكن لك أن تكتشف حقيقته إلا إذا عايشته، أو بعد موته بقراءة جملة أعماله وسيرة حياته الخاصة ..!
فالكتابة في كثير من الأحيان لم تعد شرطا للسفر داخل النفس بالنسبة للشعر والقصة، أو الإفصاح عما هو حقيقي مما يدور في الواقع بالنسبة للمقالة..
الكتابة أصبحت سلعة .. حسب متطلبات السوق..
على سبيل المثال، الكتابة عن المكان أصبحت موضة .. يتصدى لها كل من يمسك القلم ..
حتى لأولئك الذين لا يبصرن الجمال ويلعنون المكان والإنسان صباح مساء..
الكتابة عن المكان تعني الكتابة عن الإنسان.. ولا يمكن أن يمتلك المكان الروح إن لم يؤنسن ..
قراءة الناس والأمكنة فيها من مهارة الفراسة بنفس القدر الذي فيها من الإصغاء لنبض المكان والحنين للمكان الأول...
...
الحقيقي يظهر أحيانا حين تجالسه وتسمعه أو ترافقه في سفر..من خلال تفاصيل صغيرة يمكن أن تشكل ملخص لشخصيته..
كثيرا ما يتاح لنا السفر في دواخل الآخرين من خلال التعامل مع نادل المقهى أو عامل محطة الوقود.. أو من خلال الملاحظات العابرة على المارة .. أو المكان.
دبي 1 شباط 2008
rabeea.alnasser@gmail.com