الانتخابات الامريكية وكوز الذرة العربي
د.عبدالفتاح طوقان
01-02-2008 02:00 AM
هيلاري كلينتون و باراك اوباما و جون ادواردز من الحزب الديمقراطي وجون ماكيين وميت روميني و رودي غالياني من الحزب الجمهوري اسماء سطعت في سماء الانتخابات الامريكية و عشنا معها لحظة بلحظة الحملة الانتخابية الديمقراطية و الجمهورية و استمعنا الى مداخلات و مناقشات و سجالات و قضايا و رؤى و اهتمام بالمصلحة الامريكية العليا و حقوق الشعب الامريكي و الدور الامريكي الاقتصادي و العسكري في العالم دون اي مصالح ضيقة شخصية او عشائرية او قبلية او تفرقة او تقزيم او انتقاص لحقوق المرأة او اللون او الجنس او العرق و غيرها من الامور التى تصبغ حياتنا العربية السياسية في مستنقع ندعى كذبا اننا دولا ديمقراطية يحكمنا عقلاء الديمقراطية و فرسانها .
لم يقل احد لاوباما المولود في "هونولولو" عام 1961 من اب كيني و ام امريكية و السناتور عن ولاية الينويز الامريكية من اين اتيت؟ ، علما انه عاش بداية حياته في اندونيسيا ، و ما هي بلدتك الاصلية ، و مكان مولدك ، و كم عام لك في امريكا و هو الكيني الافريقي الذي سمح له النظام الامريكي ان يصبح نائبا و يحقق ثروة و يدخل افضل جامعاتها و هي كولوميبا و هارفرد دون اي مكرمة او جميل ، بل كانت امريكا الحاضن له و الطريق الى الصف الاول .
و لم يقلل احد من هيليري كلنيتون السيدة الانيقة و السناتور عن نيويورك ، و لم يطلب منها احد ان تضع الحجاب ، و ان تخرس لان صوتها عورة ، و ان عليها ان تمضي حياتها في المطبخ او خادمة لسيد الدار يضاجعها وقت ان يريد ، و يضربها و يسجنها في بيت الطاعة الزوجي . لم تشكل لها لجان دعم من السيدات و لم تقم الحكومة بتخصيص كوته لها ، بل على العكس فأنها تخوض الانتخابات بعقلها و علمها و فراستها لا بجسدها و تضاريس صدرها .
لم يهاجم احد جون ماكين سناتور اريزونا لانه تجاوز السبعين من عمره ، و لم يقل له احد كفاك عملا و تقاعد يا ايها الكهل ، و لم يهبط عزيمته احد و لم تشكل لجان " شباب امريكا " لاسقاطه و اخراج جيله من الحلبه ، بل هي امريكا التى ترى الجميع ، شبابا و اطفالا و نساءا و شيوخا يشكلون النشيج الامريكي الحي و لا فرق في العمر و لا في اللون او البشرة و ان الافضل عليه ان يتقدم و يحصل على الثقة و يقود العالم لا امريكا فحسب!!!!.
لم يتهم احد ميت روميي المولود في عام 1947رجل الاعمال والسياسي الجمهوري صاحب شركة "بيني " للاستثمارات بأنه يخوض الانتخابات لانه رجل اعمال صاحب مصالح و لم يقلل احد من اهميته لانه رفض خوض انتخابات مقعد الحاكم لولاية ماساشوستس عام 2006 علما انه كان حاكما لها في دورة 2002 . ولم يقل له احد: انك رئيس اولمبياد 2002 و رياضي لا تفهم في السياسة. الرياضة مهمه في امريكا و رجال الاعمال محترمون و يقدمون سجلات ضرائبية كاملة و نظيفة و لا يشاركون الحاكم و لا تفرض عليهم اتاوت .
انسحب رودي جولياني عندما شعر بموقفه الضعيف و اعلن صراحة تأييده العلني لزميل عمرجون ماكين علنا و على الملاء دون اي حرج . و نال احترام الجميع و لم يصفه احد بالتخاذل او الرغبة في منصب في حال فوز ماكين . و فعل نفس الشيء جون ادواردز و المتوقع ان يعلن تأييده لاوباما.
شاهدنا تأييد علني من كارولين كيندي على صفحات الجرائد للمرشح باراك اوباما و بعد يومين تاييد علني اخر من ادوارد كيندي ، و لم تمنع الجرائد النشر و لم يكن هنالك عمليات انتخابية قذرة و مساومات مالية تتم من الخلف و شراء ذمم .
في امريكا مشروع تقوم به جامعه هارفرد ، ضمن مشاريع جامعية اخرى ، تدرس الانتخاب الالكتروني و تأثيرها في النتائج ، و نوعية واتجاهات التصويت ، و الحملات و ادارتها ، و القدرات للمرشحين و تحلل خطاباتهم و غيرها بعكس بعض مراكز الدراسات الاسترايتيجة العربية التى تتصدر وثائقها نجاح الحكومة العربية و الحاكم العربي في "العرس الديمقراطي " ، و كلها تقارير غير محايده تخرج من بطن الحكومة و اجهزتها .
لم نسمع تدخل المخابرات ووكالة الاستخبارات المركزية في اختيار المرشحين و السماح لهم بخوض الانتخابات و لم يدفع اي مرشح قرشا واحدا للترشح في الانتخابات ، و لم يمنعهم احد ان يتحدثوا في كل شيء من الحرب و سحب القوات الامريكية ، و محاربة القاعدة ، و الفشل الاقتصادي في تمويل العقارات الى حقوق الشاذيين جنسيا . لم يتهمهم احد بالعيب ، و لا بأنتقاص هيبة الدولة ، ولا بالمساس بسمعه الحاكم ، ولم يكن هنالك اي تهمه تخص الاخلال بالامن الاقتصادي او الاساءة الى دولة صديقة و غيرها من المهاترات التى نرى في عالمنا العربي تشريعات و قوانين توضع لتلك التهم و تقننها و يباركها نواب من المفترض انهم دعاة ديمقراطية .
هذه هي امريكا " التغيير " و امريكا الحقوق المتساوية ، و امريكا الحلم و امريكا المستقبل لا "عرب الوضع الراهن و الحاكم الابدي و الاجهزة الامنية الخانقة للحريات .
في الانتخابات الامريكية سينتخب كما هو الحال دوما الجيش و الامن و العاملين في وزارة الدفاع و لن يتهم احد ادارة الانتخابات بان الجيش مزور ، لان كل فرد له حق الانتخاب دون توجيه و دون وجود صناديق باسماء مسبقة لمرشحي الحكومة لانه لا يوجد مرشح حكومة، و سينتخب كل امريكي عبر البحار و خارج امريكا في السفارات و القنصليات ، و ايضا عبر البريد الالكتروني و لن يقال ان اجهزة الحاسوب تعطلت او الكهرباء انقطعت ، و لن يمدد الوقت لآن البعض لم يأت ، و لن ينتخب شخص اكثر من مرة و لن يوضع حبرا على الاصبع او تثقب بطاقة انتخاب و لن ينتخب الاموات.
في الانتخابات الامريكية مناظرات متعددة على الهواء ، و اخرها في سبتمبر بين المرشح الديمقراطي و الجمهوري ، لا خلل و لا اسئلة معدة سلفا و لا لقاء مسجل مسبقا ، و انما على الهواء مباشرة و كل الاسئلة متاحة و مشروعة بلا قيد او شرط .
امريكا دولة ديمقراطية مسؤولة و شعبها شعب ديمقراطي مسؤول، و النتيجة يقبل بها الجميع و القضاء هو الحكم ، وفي حال وجود طعن انتخابي ينظر في الطعون بعد النتائج و يعاد الفرز في حال وجود طعن صحيح ، و لا يتهم احد الطاعن بأنه عدو الدولة و لايهمل اي صوت .
في امريكا لن يجدو صناديق على حافة الطريق ، و لن يحرس الانتخابات شرطة مدججة بالسلاح ، و لن يضرب احد ، و لن يطلق نار على احد ، و لن يجلس وزير الداخلية يتغنى بالديمقراطية و العرس الديمقراطي ساعات و ساعات . انها امريكا الحقوق الكاملة .
في امريكا يسأل الرئيس الامريكي من اين لك هذا ، و لا يستعبد السائل او يدفن في سجن مدى الحياة ، و لايتهم بالمساس برأس الدولة ، هذه هي امريكا و حلاوتها و العرب يغصون في المرارة .
في امريكا لا يحتفلون بعيد الرئيس الامريكي و لا يقيمون حفلا لطهور اولاده و لا يهتمون بأن زوجته قد انجبت فتتصدر الصحف التهنئة من اموال الشعب و شركات الدولة ، و هنالك الاف من حالات " اللا " التى تجعل من الامريكي فخورا بوطنه و تجعل العالم ينظر اليها و يحترمها ، و ان كان هنالك اختلاف حول سياستها في الشرق الاوسط و تعاملها مع القضايا العربية ، و لكن هذا لا ينفى عنها ان مدرستها لم يسقط فيها احد ، بينما سقطت "مدرسة الكتاب و لوح الشيخ " في المنطقة العربية عند جدار المدرسة التى حيكت لاجل فئة و منع الاخرون من الدخول و لايزال البعض يشبه الالف بكوز الذرة .
المدرسة الامريكة مفتوح ابوابها حتى شهر نوفمبر لهذا العام لمن يرغب في التعلم و الاستمتاع بانتخابات جميلة و نظيفة .
aftoukan@hotmail.com