منذ مدة و نحن نسمع في وسائل الاعلام بإختلاف أنواعها مجموعة من المصطلحات الجديدة التي لم تكن تُتداول سابقا ، أو على الأقل لم يكن لها هذا الانتشار الواسع بحيث اصبح لا يخلوا أي حوار أو برنامج او تحليل او حتى نشرة اخبارية من استخدامه ، و من هذه المصطلحات مصطلح هام و هو ( الآخر )تعريف ( الآخـر ) :
حاولت كأي إنسان عادي مُتلقي لكل ما يُقدم اليه عبر وسائل الإعلام ، على اعتبار طبعا ان الخطاب في وسائل الاعلام موجه الى كافة الشرائح ، حاولت أن أحدد معنا واضحا لهذا المصطلح ، و أعرف من هو هذا ( الآخر ) ، و ما هي الشروط الواجب توفرها فيه ليصبح ( آخرا ) ، و لكن عبثا ، فكلما أقتربت من تحديد معنا معينا أجد أن المصطلح يتم طرحه بمفهوم مغاير لما تم طرحه اولا ، و أحيانا مناقض له .
لجأت الى قراءة الكتب و المواضيع التي تتحدث عن مفهوم ( الآخر ) ، و كان خير ما قرأت في هذا المجال كتاب ( إضاءات في حوار الآخر و احترام الذات ) للأستاذ الفاضل إبراهيم العجلوني ،
فأولا ( و كما يذكر الكاتب ) أن مفهوم الآخر هو مفهوم غربي بإمتياز ، و هذا بلاشك كلام صحيح ، ثم يقول :
( قد يكون في حكم المتفق عليه ، في الادبيات السياسية المعاصرة ، و على نحو ما استقر عليه قاموسنا الاعلامي ، أن المقصود بـ "الأنا " أو " الذات " أو " نحن " في معرض الحديث عن " حوار الحضارت " أو " حوار الثقافات " هو العربي تحديدا أو المسلم ، و أن المقصود بـ " الآخر " هو الغربي بوجه عام ، أكان مسيحيا أم علمانيا أم غير ذي دين ، فحيثما ورد حديث " الأنا و الآخر " فهو دائر بالضرورة حول علاقة العربي المسلم بالغربي المسيحي أو العلماني ، على الرغم من أن معنى " الآخر " مشتمل بالبداهة على كل كينونة حضارية خارج دائرة العروبة و الإسلام كالصين أو اليابان أو الهند أو حتى أمريكا اللاتينية التي تشارك العالم العربي الاسلامي كثيرا من همومه و مؤرقاته . )
بهذا الكلام قدم الكاتب ما يُفترض أنه التعريف المتداول لهذا المصطلح إعلاميا ، و هذا التعريف ( حسب اعتقادي الشخصي ) هو أفضل ما يُمكن تقديمه في هذا المجال ،
و لكن لا يبدو أن وسائل الاعلام و المثقفين و السياسيين يلتزمون بهذا التعريف ، فنجدهم أحيانا يصفون من يخالفهم الرأي و التوجهات من أبناء جلدتهم بـ ( الآخر ! ) ، فهل من الممكن أن يكون أخي ابن أمي و أبي ( آخرا ) تحت أي مقياس من المقاييس ؟!!
عند قراءتي للآية الكريمة : ( و إن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ، فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء الى أمر الله ) ، نلاحظ في هذه الاية أنه على الرغم من الاقتتال الحاصل بين الطائفتين إلا أن الله سبحانه و تعالى لم ينفي الايمان عن الطائفة الباغية ، و لما يخرجها من اطار المجتمع الاسلامي ،
و السؤال هنا : هل تلك الطائفة الباغية ( رغم بغيها ) يمكن إدراجها تحت مسمى ( الآخر ) ؟
قد يكون أخي مخطئا ، و لكن هل يكون ( آخرا ) ؟؟؟
و من جهة اخرى ، هل يجوز أيضا أن أصف من يرغب بقتلي و طمس هويتي بـ ( الآخر ) ؟
بمعنى ، هل يكون المحتل ( آخرا ) ؟
ربما هو ( آخرا ) في بلده و لكنه ليس ( آخرا ) عندما يأتي يحمل السلاح ليحتل أرضي .
و بالنتيجة و بغض النظر عن أي تعريف لـ ( الآخر ) فهناك صنفان لا يجب أعتبارهما ( آخرا ) بأي حال من الاحوال و هما الاخ و المحتل ، أما طريقة تعاملنا معهما فهي واضحة و لا مجال للنقاش فيها ، فالاخ بحاجة الى التفهم و الاحتواء ، أما المحتل فلا مجال امامنا الا مقاومته .
أعتقد أن هذا المصطلح ( الآخر ) يمكن أن نصفه بالمتغير ( حسب التعبيرات المتداولة في مادة الرياضيات ) ، ففي مادة الرياضيات هناك ثوابت و متغيرات ، ثوابت تحمل قيمة واحدة و معنا واحدا ، لا تتغير بتغير المسألة ، أما المتغيرات ، فهي تحمل قيمة متغيرة في كل مرة ، و يتم تعريف قيمتها دائما في بداية المسألة حتى يعرف الطالب القيمة او التعريف الذي سيستند عليه أثناء الحل ،
و دون وضع معنا واضحا محددا ( للآخر ) بناءا على ما تم ذكره و يتفق عليه الجميع ، فسيبقى هذا المصطلح مجال خلاف ، و على هذا فلا معنى يُعرف ( الآخر ) ، و لا مقاييس ( للآخر ) ، و على هذا فلكل انسان ( آخرا ) خاص به .
و بالتالي يجب على كل شخص أن يوضح لنا تعريفه للآخر قبل أن يبحث معنا طريقة التعامل معه .
لذلك ارجو من الاخوة الباحثين و المثقفين و المفكرين أن يحددوا لنا مواصفات ( الآخر ) قبل أن يتنازعوا و يتضاربوا في وسائل الاعلام حول طريقة التعامل معه .
أسس التعامل مع ( الآخر ) :
قبل أن نُبين طريقة التعمل مع الاخر هناك نقطتين هامتين يجب أن نستوعبها ، و هي تلك النقاط التي وضحها الاستاذ ابراهيم العجلوني في نفس الكتاب حيث قال : ( ان الاعتراف بحق الاخر ، قويا كان او ضعيفا ، في ان يكون مختلفا ، ليس منة أو تفضلا ، و لكنه تقرير لحقيقة كونية ) .
من هنا نفهم ان وجود الاخر هو امر طبيعي و سنة كونية بل هو ظاهرة صحية أيضا ، لذلك من يلجأ الى انكار الاخر فهو يقع في خطأ كبير و يحكم على نفسه بالفشل لانه يخالف احد القوانين ( الكونية ) ان جاز لنا التعبير ،
اما النقطة الاخرى فهي و كما ذكر الكاتب : ( إن تصعيد " الاختلاف " الى درجة " المخالفة " هو أساس ما نرى من تفاني البشر و اصطراعهم ، و هو تصعيد ذو أسباب نفسية أو أوهام ذاتية أو مآرب قصيرة النظر أو مطامع بعيدة الأثر ، لكنه في كل احواله قائم على شعور " حيواني " بخطر الآخر و بما يشكله من تهديد ، و إن من شأن " الإنسان " بما " اختلف به " عن الحيوان أن يتجاوز هذا الشعور الى معنى من معاني الأنس بالآخر و الألفة معه ، و الى أن يكون هذا الآخر توسعة جارية باستمرار على الذات و أفقا مطلوبا لها ) .
اذا لا سبيل الى التعامل مع الاخر الا بالحوار و محاولة ايجاد القواسم المشتركة لتكون ارضية متينة للتعايش و لتكون اساسا للانطلاق نحو اعمار هذه البسيطة ضمن أُطرالتعايش .
لكن للحوار ( حتى يكون حوارا ناجحا ) شروطا لا يقوم الا بها حتى لا يتحول الى صيغة ( املاء شروط على المستسلم ، أو تقليدا أعمى أو محوا للذات أو غسلا للدماغ ) ، و هي
يقول الكاتب : ( و حتى يكون لنا ذلك الحوار الفاعل المجدي مع هذا " الآخر " فإن ثمة شرطين لا بد من توافرهما و هما : الندية و المساواة ، و نزيد عليهما استقلال الشخصية و نزاهة المقصد . )
اما ما يُشترط في المحاور قبل أن يفهم الآخر و يحاوره أن يفهم ذاته و ينتمي الى أفكاره بحيث يصبح هذا المحاور فكرا متحركا مدركا لماضيه و حاضره ، مفتخرا بحضارته ، عارفا برسالته و دوره معتدا بفكره .