العنفُ وأَظافرُ القَانونِ ..
محمد حسن التل
25-11-2013 01:37 PM
ما عادت تُفيد المبادرات والاجتماعات والندوات، وكلّ هذه التنظيرات التي أثبتت أنها لا تُسمن ولا تُغني عن شيء، أمام ظاهرة العنف الجائحة، التي تجتاح جامعاتنا منذ سنوات، واستمرار هذه الظاهرة يُشير بقوة إلى فشل كلّ الآليات، التي استُخدمت لمواجهة سلوك الطلبة الشاذ عن كل قيم واخلاق العلم والتحضر، وعُقم تفكير القيادات المعنية في هذا المجال، تفكيراً جدياً.
وأمام هذا الواقع المقيت، لابدّ من اجتراح حلول جراحية مُستعجلة - بعيداً عن العناوين العريضة والرنّانة، الفارغة من أيّ مضمون، ولا تُعطي أيّ نتائج نحو الحلّ المنشود - أهمها إبراز أظافر القانون بقوة، من خلال محاسبة كلّ أطراف الجريمة، محاسبة دقيقة وصعبة، والبحث بعمق عن أصل المشكلة، التي تبدأ من البيت ثم الأسرة الكبيرة ثم العشيرة، وعدم أخذ أيّ مُتسبّب لأيّ حادثة عنف داخل الجامعة، أو حتى غير الجامعة، بأيّ رحمة أو شفقة.
ثمّ ما المانع أن يمتدَّ حساب أيّ طالب جامعي، يتسبّب في مشكلة داخل الحرم الجامعي، إلى محاسبة أسرته، ومحيطه العائلي، حتى تكون عملية الردع شاملة ومفيدة وممنهجة - وهنا أذكر أسلوب الأمن العام في بعض المراحل الزمنية، عندما كان يُطلَق رصاصٌ في أحد الأعراس، لا يُلقى القبض فقط على الفاعل، بل على العريس ووالده - وكانت هذه الطريقة بالفعل رادعة، لكلّ من تُسوّل له نفسه أن يعبث بأرواح الناس.
لقد تعبنا من أخذ الخواطر، ومراعاة المشاعر، ودفعنا من أجلها ثمناً باهظاً، حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه، من نتائج مُرعبة تهدد أمن مجتمعنا بالكامل.
لابدّ وأثناء إعادة تجميع أوراقنا، من أجل مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، أن نُعيد النظر بشكل جذري بمفهوم أمن الجامعة، وأن نبتعد عن الحساسيات الفارغة والعناوين العريضة، وعلينا أن لا نخجل إزاء هذا الظّرف بأن يكون هناك نقاط أمنية حقيقية، مرتبطة بالأجهزة الشرطية، داخل الحرم الجامعي، وهذا أسلوب معمول به في معظم دول العالم الراقية المُتقدمة، ذات الديمقراطيات العريقة.
وعلى أصحاب قرار تعيين رؤساء الجامعات، أن يختاروا لهذا المنصب المهم أناسا أصحاب مقدرة إدارية محترفة، وهنا لا تكفي المقدرة الأكاديمية والعلمية، وقد ثبت بالوجه القاطع، أنّ معظم رئاسات الجامعات، تتحمل جزءاً ليس بسهل مما يحدث على ساحات جامعاتنا، ويتحمّلون مسؤولية أساسية في هذا المجال، وكذلك فلم يعد خافياً على أحد، أنّ الأستاذ الجامعي اختلفت شخصيته، واختلف سلوكه في كثير من جامعاتنا، وهذا عائد بالطبع إلى سهولة التعيين في الجامعات، ولم تعد هذه الجامعات تركّز على السيرة الذاتية للأستاذ، أو على مصدر شهاداته، فبتنا نسمع شكاوى كثيرة وعديدة من طلبتنا في الجامعات، عن سلوك هؤلاء الأساتذة العنيف في اللّفظ وأحياناً بالفعل. فإذا كان الأستاذ الجامعي نفسه، يُشكّل أحد مصادر العنف، فلا يلومنَّ أحد الطالب في هذه الحالة.
ولا أريد أن أتوسع هنا بالحديث عما يحدث في مدارسنا، من تغيرات كثيرة طرأت على سلوك المعلم داخل الصف وخارجه، ولم يَعد هذا المعلم ذاك الشخص المقدس المحترم لدى الطالب وولي أمره، في معظم الأحيان، ولا يُنظِّرَنَّ أحد علينا ويحتجّ بالظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها مجتمعنا سبباً في هذه الظاهرة، فقد كان المجتمع الأردني يُعاني من ظروف غاية في الصعوبة، وغاية في شحّ الموارد المدرسية، وكان طالب المدرسة يمشي أكثر من عشرة كيلو مترات بين بيته ومدرسته، ويُسافر بين مدينة وأخرى مئات الكيلو مترات، ويغيب عن أهله شهورا طويلة، من أجل الالتحاق بالجامعة، ولكنْ، كان طالباً يُشار إليه بالبنان علماً وسلوكاً.
إننا أمام واقع صعب في الجامعات، ولكنّ الفرصة ما زالت قائمة لتعديل المسار، والعودة إلى ذلك الأَلَق الذي كنّا نُفاخر به، من خلال تعديل أسس القبول أولاً في الجامعات، وتفعيل القوانين والأنظمة الرادعة، لكلّ من يحاول المسَّ بهيبة جامعاتنا، سواء طالب أو أستاذ، وعلينا الابتعاد عن أسلوب الفزعات عند كلّ مشكلة تواجهنا في إحدى الجامعات، ونعود لنضع رؤوسنا في الرّمال بعدها، ولا نصحو إلا على معركة جديدة وقد انفجرت في إحدى جامعاتنا، وقد امتدت إلى الأحياء والمدن المجاورة لها، ولابدّ من إعادة مفهوم العمل العام في الجامعات، وترسيخه في أذهان الطلبة، سواء من خلال الحياة الحزبية الراقية، التي تُغذي فكر الطالب بالثقافة وحسن التعامل مع الآخرين، وتقوي عنده روح الحوار، وكذلك العمل على توليد علاقة قوية بين الطالب والنشاطات العامة في الجامعة، تلك النشاطات التي تُخاطب روح الجماعة عنده، بعيداً عن العصبيّة الضيّقة والنزق المؤذي، الذي بات سمةً من سمات طلابنا في الجامعات، والأهم من ذلك كلّه، إعادة الهيبة إلى القانون بكل أنواعه كما قلنا، ومُحاربة الاستخفاف به، والابتعاد عن تقديم أخذ الخواطر على القانون، والضربُ بيدٍ من حديدٍ، على كلّ من تُسول له نفسه العبث بالنظام العام، وفوق هذا كلّه تنمية التربية الروحية عند الشاب، ودفعه للانفتاح على تعاليم دينه السمحة، التي تُخاطب فيه إنسانيته، فديننا دين تسامح وحوار وعطاء، فعلى الجامعات أن تستغل روحانية الإسلام في مواجهة ظاهرة العنف، وتسخير سمات الإسلام العظيمة وغرسها في نفوس الشباب...
المطلوب اليوم، وقفةٌ وطنيةٌ حقيقيةٌ؛ لمواجهة هذا الغول المسمى العنف الجامعي، ولنعترف أنّ هذا العنف هو جزء لا يتجزأ من عنف مجتمعنا بالعموم، فالذي يمشي في طرقاتنا، يحسّ كم هو حجم العنف في عيون الناس، وهذا كلّه ناتج عن فشل كلّ المؤسسات المعنية بتنمية الإنسان في وطننا، بكلّ الاتجاهات.
"الدستور"