لم ألمس تحركا جديا من قبل الحكومة لمعالجة اختلالات أسعار الخضار والفواكه، وارتفاع أسعار مواد تموينية أخرى، وبقي التحرك الحكومي الوحيد يصب في تحديد سقوف سعرية لبعض الخضراوات، وللأسف لا يتم حتى التقيد بتلك السقوف من قبل تجار ووسطاء وآخرين.
خلال العام الذي شارف على الانتهاء ارتفعت أسعار مواد مختلفة بشكل كبير وجنوني، باتت قدرة المواطن الشرائية تتقلص حتى باتت معدومة، مع استقرار في الرواتب والمعاشات.
خلال العام ارتفعت وتيرة شكوى المواطنين من غياب الرقابة الحكومية على أسعار المواد بكل أشكالها، وبقيت الحكومة حتى أوقات طويلة تتفرج وكأن الامر لا يعنيها، فانطبق عليها المثل الشعبي المعروف "أذن من طين وأذن من عجين".
وعندما تحركت الحكومة بعد أن وصلت الأسعار حدودا لا تطاق، كانت حركتها خجولة وغير كافية، ودون اهتمام، وكأنها تقول، فعلت ما أستطيع، وليس لدي القدرة على فعل المزيد.
ولكن، ما يجري أنك في الحِل والترحال تسمع عن شكوى متواصلة من ارتفاع أسعار الخضراوات وحاجيات أخرى، وفي البيت تتحدث ربة المنزل يوميا عن ارتفاع أسعار خضراوات بشكل لا يطاق، وتشرح بأن سعر كيلو البندورة، والخيار والبصل والبطاطا، وفواكه أخرى، وصل أرقاما لا تصدق، وتردف لتقول إن تلك الأسعار لا تمنحك فرصة الحصول على أصناف جيدة من الخضراوات والفواكه، بمعنى أن الأصناف "مضروبة"، وتتبع ذلك بتنهيدة قوية، وجملة "سقا الله أيام زمان".
هذا صحيح، فعندما كنا اطفالا كانت رائحة الخيار تملأ أرجاء المكان، وكان طعم البرتقال فواحا. اختلف الزمان، واختلف معه شكل ورائحة وطعم للبرتقال والبطيخ والتفاح.
المزارعون يؤكدون تدني أسعار بعض الخضراوات والفواكه من أرض المزرعة، وينوهون لحلقات وسيطة متعددة بينهم وبين المستهلك، تؤدي إلى ارتفاع أسعار أصناف مختلفة، داعين الجهات المعنية لوضع ضوابط لأولئك الأشخاص ووضع سقوف سعرية لهم، وعدم تركهم يتحكمون في السوق، والعرض والطلب بالشكل الذي يريدون وبالطريقة التي تؤمن لهم ارباحا مضاعفة.
الواقع يؤكد أنه كلما زاد عدد الحلقات الوسيطة بين المزارع والمستهلك، فإن ذلك سينعكس سلبا على الطرفين، فالمزارع سيبيع بأسعار متدنية والمستهلك سيشتري بأسعار مرتفعة، والسبب حرص الحلقات الوسيطة من أدلاء وتجار وغيرهم على الربح المضاعف دون اكتراث للمزارع والمستهلك.
ذهاب الحكومة لتحديد سقوف سعرية ربما كان حلا من بين حلول أخرى كان يتوجب فعلها، أما الاكتفاء بتلك السقوف واعتبار أن البائع سيلتزم بها وكأننا في المدينة الفاضلة، فإن ذلك يعني أن الحكومة تتخلى عن مسؤولياتها ولا تستمع لشكوى الناس وتكتفي بسقوف وهمية لا يلتزم بها أحد وكأنها تقول إنني فعلت ما أستطيع وكفى.
في الواقع الحكومة مسؤولة عن المواطنين وعن كل ما يحصل في البلاد، وما يعانيه العباد، وعليها عدم الاكتفاء بالفرجة، واتحاذ إجراءات سريعة.
وقبل ان يخرج من يقول إننا في زمن التجارة الحرة، ووضع سقوف سعرية يتناقض مع هذا التوجه، وأن البنك الدولي وصندوق النقد اللذين يجودان علينا كلما تعثرت موازنتنا، دون أن نعرف سبب تعثرها، ودون أن نعرف السر الذي أوصل ديوننا إلى ما يفوق الـ 20 مليار دولار، يرفضان وضع القيود تلك، ويحبذان فكرة العرض والطلب والأسعار المفتوحة. أقول لأولئك إن تحقيق الأمن الاجتماعي والغذائي للمواطن أهم بكثير من كل ذلك، والحكومة في الأساس عليها الاهتمام بالمواطن، قبل المحافظة على سمعتها عند صناديق الإقراض الدولية.