طلب الأردن عضوية مؤقتة في مجلس الأمن رسمياً وترشيح السعودية والكويت له لإشغال هذا الموقع وانتظار أن تدعم ذلك جامعة الدول العربية إلى جانب أهم دول العالم أمر يحتاج إلى وقفة تأمل وإسناد دون تردد لسبب واحد كبير هو أننا نقف أمام وطن أردني كبير وعملاق في تاريخه وحاضره ومستقبله وقيادته الهاشمية الحكيمة.
لن ألتفت كثيراً لاعتذار السعودية عن تبوء مثل هكذا موقع سياسي متقدم واحترم رأيها وملاحظاتها التي تصب في عدم مقدرة مجلس الأمن حتى الساعة إيجاد حل مقنع للقضية الفلسطينية ولقضايا العرب الاحتلالية الأخرى وللمسألة السورية المتعثرة خاصة وأنها صاحبة مبادرة عربية في السلام طرحت الأرض مقابل السلام ولم تجد أذناً صاغية من قبل (إسرائيل) التي تصر على إدامة الاحتلال والاستيطان والتهويد والاعتقال والتشريد وصناعة وفبركة ما يسميه ساستها (بالوطن البديل)، وأشكر دولة الكويت الشقيقة على موقفها الداعم للأردن، وهي ليست والوقفة المشرفة الأولى إلى جانبنا وللتذكير فقط هي المستثمر الأول وبحجم يصل إلى 11 مليار دولار، والاستثمارات السعودية تصل إلى (22%) من مجمل الاستثمارات الأجنبية في الأردن و 2 مليون سائح سعودي وصلوا ديارنا عام 2012 فقط وبزيادة 29%، وبلدنا طموح في حراكه السياسي والدبلوماسي المتوازن والمتزن ويتطلع لمسافات بعيدة دائماً.
من سمات الأردن تمتعه بتاريخ مشرف بواسطة خوضه لمعارك حامية الوطيس في اللطرون وباب الواد و الـ 48 و 1967م و الـ 1968م والـ 1970م و 1973م والـ 1980 وحتى 1988م وبصورة مباشرة وغير مباشرة دفاعاً عن ثراه وثرى الوطن العربي ضد الهجمات والمؤامرات الصهيونية الإسرائيلية المتحالفة مع أمريكا وحتى ضد الإيرانية منها وهي التي لا زالت جاثمة على أرض العرب في فلسطين وفي لبنان وفي سوريا وفي العراق، إلى جانب الوقوف بوضوح إلى جوار الشقيقة الكويت أبان اجتياح عراق صدام حسين لها عام 1990 والنصح السياسي بعدم المجازفة بتلك الخطوة العسكرية غير الصائبة والتي انعكست سلباً على العراق اليوم وارتقت في حينها لمستوى الجريمة السياسية والأخلاقية خاصة والوقفة العربية ومنها الأردنية والكويتية في التصدي للغزو الإيراني للعراق وعلى مدى ثماني سنوات متتابعة كان ماثلاً للعيان، وبعد انهيار العراق القديم المعاصر إن صح التعبير واجتياح الناتو له بقيادة أمريكا بحجة التحرير من الديكتاتورية وامتلاك سلاح التدمير الشامل الوهمي ثم تمرير السلطة بسلاسة لإيران من جديد وتقديم الحكم لها على طبق من ذهب.
يتمتع الأردن المعاصر بسياسة متوازنة في قلب الشرق الأوسط وعلى استقرار اقتصاده رغم ما يشعر به من ضيق للحال هو محتاج أكثر وسطه لترشيد الاستهلاك وجلب الاستثمار والاندماج مع العرب والدخول في تحالفات اقتصادية معهم ومع العالم ومحاربة الفساد، واستقرار الأردن داخلياً وارتكازه على وحدته الوطنية المقدسة، وامتلاكه لمعاهدة سلام مستقرة مع (إسرائيل) منذ عام 1994، وعزوفه عن زج نفسه في الصراعات المجاورة له بعد استبداله لشعاره السابق (العرب أولاً) وتسمكه بشعاره (الأردن أولاً) وعدم إلغائه لوقفاته القومية والإنسانية مع العرب بنفس الوقت والموقف الأردني الرسمي الناصح لنظام دمشق باعتماد الحلول السياسية بدلاًَ من الأمنية والعسكرتارية التي أججت أزمة المطالبات الشعبية السورية بالإصلاح وحولتها إلى دموية بعد اختلاط المعارضة الوطنية بالطابور الخامس بقيادة (داعش) وتنظيم القاعدة الإرهابي وخلط السياسة السورية الرسمية بسياستي إيران وحزب الله والعراق (عباس) والتحول إلى العسكرة، وبعد هيجان وهدوء أمواج الحرب الباردة بين الغرب والشرق، ثم انشقاق الغرب ممثلاً بفرنسا وبقاء الشرق متماسكاً بقيادة روسيا واستخداماتها المتكررة للفيتو وصولاً لاتفاق روسي – أمريكي للسيطرة على سلاح سوريا الكيماوي غير التقليدي الخطير والتخلص منه نهائياً الأمر الذي به أدخل السكينة للمنطقة المحيطة بسوريا بما في ذلك إلى (إسرائيل) التي لا تنام وسبق لها ان قصفت سوريا لهذه الغاية عدة مرات مخترقة القانون الدولي.
الأردن وطن يستشرف المستقبل بخطىً ثابتة وهو بأمس الحاجة لوحدة عربية حقيقية تماماً كما هو نشيط في المحافل الدولية، والاعتدال يمثل سكته الحاضرة والمستقبلية وفي قلبه يكمن الحكمة وبعد النظر، وبالمناسبة مجلس الأمن قبل الأزمة السورية التي تحولت إلى دموية مؤسفة ليست كما كان قبلها والعامل الرئيس في هذا التحول الإيجابي مع كل من يقف مع القانون الدولي والإنساني واحترام سيادة الدول وترك الخيار الديمقراطي للشعوب لاختيار من يحكمها ويدير شؤونها عبر صناديق الاقتراع لعبته الفدرالية الروسية وأقنعت الصين معها، وهي خطوة جادة يستفاد منها إلى الأمام إذا ما ارتحل الربيع العربي الذي طرق أبوب تونس وليبيا ومصر ولبنان وسوريا واليمن وقبل ذلك العراق وبكل ما حمله معه من مؤامرات عربية ودولية إلى دول جديدة في المنطقة الشرق أوسطية وأبعد، ولم تعد أمريكا ومن خلفها (إسرائيل) تستطيع أن تدير العالم وأزماته بالريموت كونترول كما كان الحال سابقاً ولم يعد انتشار الاستثمار حكراً لها، ومؤسستي (الأيباك) و( البنتاغون) تعيان ذلك، والحرب الباردة السرية بين الغرب والشرق وبالعكس أصبحت تطرق أبواب مجلس الأمن نفسه والله من وراء القصد.