عيون وآذان (نصف قرن بعد كنيدي)
جهاد الخازن
22-11-2013 11:22 AM
في مثل هذا اليوم قبل 50 سنة اغتيل الرئيس جون كنيدي.
كنت قد ودعت المراهقة، بعد أن عملت في وكالة الأنباء العربية (رويترز) في بيروت سنة مترجماً وسنة محرراً، وأصبحت رئيس نوبة مسؤولاً عن الشرق الأوسط كله، باستثناء مصر، وعمري 22 سنة.
عندما سألني رئيس التحرير الإقليمي الأستاذ الياس نعواس، رحمه الله، بعد نجاحي في امتحان لبدء العمل عن عمري لم أقل 19 سنة وإنما قلت: 24 سنة، على أساس أن هذه سن رجل أو كهل. وقال الأستاذ الياس: أف، أنت ولد. ولزمني لقب الولد حتى استقالتي بعد سنوات لأتفرغ لرئاسة تحرير الـ «ديلي ستار».
كانت نوبات العمل اليومية في الوكالة ثلاثاً، قبل الظهر وبعد الظهر وفي الليل، وكنت أفضل أن أعمل في الليل لأذهب إلى الجامعة في النهار، فكنت أحياناً أستلم نوبة المساء، وأنا مترجم، لأن الزملاء الآخرين، وكل منهم تجاوز الأربعين أو الخمسين وله زوجة وأولاد، يفضل أن يكون معهم مساء.
في ذلك اليوم التاريخي كنت رئيس النوبة بالوكالة ومعي مترجمان، أحدهما جوزف فاخوري، الملحن الموسيقي اللبناني المشهور، وأيضاً محرر إنكليزي للأخبار إن لم تخني الذاكرة فقد كان اسمه بيتر كيلنر الذي بكى عندما تأكد موت الرئيس الأميركي.
كنا نتلقى الأخبار من لندن بـ «التلبرنتر» على شريط «مثقب» ونختار منها ما يناسب المشتركين في الشرق الأوسط للترجمة والتوزيع. في حوالي الثامنة مساء نظرت إلى الشريط ورأيت كلمة لم أكن رأيتها من قبل هي Flash مكررة عدة مرات، وبعدها جملة واحدة من دون مصدر أحفظها حتى اليوم بالإنكليزية، وترجمتها إلى العربية: الرئيس كنيدي أصيب بالرصاص وهو في موكب.
الجملة لم تذكر المكان الذي أصيب فيه الرئيس بالرصاص، وإن كان قد توفي. ومضت دقيقة أو نحوها، وجاء Flash آخر يقول إن الرئيس كنيدي قتل برصاص قناص في دالاس، بولاية تكساس.
كانت نوبة العمل في المساء تبدأ الساعة السادسة مساء وتنتهي بعد منتصف الليل بنصف ساعة، إلا أنني في ذلك اليوم بقيت في المكتب حتى الصباح، وكل خبر ترجم ووزع في الشرق الأوسط حمل صفة «مستعجل جداً»، وتعلمت معنى Flash، بعد أن كنت على مدى ثلاث سنوات من العمل رأيت صفتين للأخبار المهمة هما urgent و snap، بمعنى مهم ومهم جداً.
ذلك المساء لم يعد هناك خبر آخر من الوكالة غير اغتيال كنيدي الذي تبعه بسرعة خبر إصابة حاكم تكساس جون كونالي بالرصاص ثم اعتقال القاتل لي هارفي اوزوالد.
في حوالي التاسعة مساء تلقيت من رئاسة الوكالة في لندن طلب ردود الفعل العربية، ولم أعرف كيف أحصل عليها، فالدوائر الرسمية في كل بلد عربي أغلقت قبل ساعات. واستعنت بالزميل عزت شكري، مراسل الأخبار المحلية والمدير المسؤول للوكالة، وهو تمكن من الحصول على تعليق لبناني وآخر أردني.
كنت أحرر أخبار المترجمين وأصحح وأزيد وأختصر، واخترت لنفسي أن أترجم نبذة عن حياة جون كنيدي فقد كان وزوجته جاكلين يتمتعان بشعبية كبيرة حول العالم، بما في ذلك بلادنا. وأتبعت ذلك بمعلومات عن القاتل، وعن حاكم تكساس، وروايات ناس كانوا يتفرجون على موكب الرئيس ويصفقون له.
ربما كنت نسيت تفاصيل ألف يوم آخر من عملي في الوكالة، إلا أن 22/11/1963 الذي يوافق عيد استقلال لبنان لازم الذاكرة وكأن أحداثه تعود إلى أمس فقط. ورأيت بعد ذلك كلمة «فلاش» وهي تتصدر تفجير القنبلة النووية الصينية وسقوط نيكيتا خروشوف وموت جمال عبد الناصر.
تركت مكاتب الوكالة في بناية «اونيون» في الصنائع وقد بدأت تباشير الصباح، وسرت نحو مبنى «النهار»، وأخذت الجريدة لأرى المانشيت بحرف كبير هو: قاتل كنيدي كاستروي شيوعي. كان عنواناً مثيراً وخاطئاً، والحقيقة عن ذلك اليوم التاريخي موضع تنازع وخلاف ونظريات مؤامرة حتى اليوم. الحياة اللندنية