يتداول الناس على سبيل التندر، طرفة مفادها أن مؤتمرا دولياً عقد بشأن تقنيات الكمبيوتر وأحدث ما توصلت إليه التقنية في هذا العالم. وصادف أن اليابانيين أرسلوا ممثلا لهم إلى هذا المؤتمر "رجلاً آليا" لإعلان تفوقهم التقني. ومن المصادفات، أن جلس هذا الرجل الآلي إلى جانب ممثل الوفد الأردني الذي بقي طوال الوقت يسأله عن صلة القرابة بينه وبين بطل الرسوم المتحركة "غريندايزر"، ما دفع الرجل الآلي إلى الهروب من المؤتمر!
هذه الطرفة تعبر عن كثير من السلوك اليومي الذي نعيشه، وكيفية تعاملنا مع الحياة اليومية المبنية على العلاقات الشخصية بالدرجة الأولى، وأن أي مقوم آخر، مثل الكفاءة أو التعليم أو التعامل أو الأخلاق أو حتى المصالح المشتركة، ليست هي المعايير الأساسية في التعامل وبناء العلاقات بين الناس. وينطبق هذا الشكل من التعامل وبناء العلاقات كذلك على العمل العام.
ويبدو أن هذا السلوك المتأصل فينا، قد ساهم إلى حد بعيد في الترهل الإداري والهروب من استحقاقات العمل العام والإنتاج والتقدم وتحقيق المطلوب من الموظف، بغض النظر عما إذا كان يعمل في القطاع الخاص أو العام. كما ينطبق على الحياة العادية برمتها، طالما أن معادلة القرب والمعرفة والمحسوبيات هي التي تدير دفة الأمور في البلد.
فإطلاق هذه النكتة، وغيرها من النكت التي أصبحت تنتشر بقوة في الآونة الأخيرة، يؤشر على الحاجة إلى معالجة اجتماعية وسياسية حثيثة لهذا السلوك. ولكن كيف يمكن معالجته؟ ليس هناك وسيلة عملية لمحاربة هذا النوع من السلوك، إلا بوضع معايير صارمة للحد من تغول هذه الظاهرة في مجتمعاتنا. ومع الأسف، فإن هذه الظاهرة ليست أردنية خالصة، بل تمتاز بها كل المجتمعات التي لم تنضج فيها مفاهيم دولة القانون والدولة المدنية المبنية على أسس تضمن المساواة والعدالة في حدودها الدنيا على أقل تقدير.
فطالما أننا مجتمعات ما تزال ترفل بعباءة العلاقات القرابية الأولية، فسيكون من الصعب تجاوز هذه المرحلة. فنحن مجتمعات تحكمها قيم العشيرة والطائفة والدين، في صورها السلبية. وليس سرا أن هذه العلاقات قد أدت إلى تضييق أي فرصة ممكنة للانتقال إلى مرحلة جديدة من الدولة المدنية. وتنسحب هذه الظاهرة كذلك على الأحزاب وغيرها من القوى السياسية التي تحتكم إلى ذات العلاقات. ما يعني أننا بالعامية "مطولين" للتحول إلى حالة المجتمع المتمدن الذي تحكمه سلطة القانون.
لذلك، نشاهد تراجعا كبيرا في كل فرصة تسعى للتحول نحو المستقبل بروح مدنية. وهذا ما كشف عيبنا بشكل حقيقي، عندما أفلتت الأمور في العالم العربي، وبدا أننا مجتمعات متناحرة متقاتلة، تعود في جذورها وعلاقتها إلى عصور ما قبل التاريخ؛ رغم وجود الأرضية الحضارية العربية، والتجربة العالمية، للانتقال إلى مجتمعات مدنية، تكون العلاقات فيها مبنية على قواعد واضحة، ليس فيها بشكل مباشر علاقة "شو بقربك فلان؟" أو "من وين أنت؟"!
jihad.almheisen@alghad.jo