شوارع بلا أرصفة وأرصفة بلا مشاة
بلال حسن التل
20-11-2013 02:11 AM
أرصفة الشوارع واحدة من أهم مظاهر التنظيم العمراني للمدينة المعاصرة. وهي في الوقت عينه مؤشر من مؤشرات درجة الرقي والتمدن التي وصل إليها سكان هذه المدينة أو تلك. ولكنها قبل ذلك حق من الحقوق الأساسية للمواطن، ليس ليتمتع بمدينة جميلة ومنظمة فقط.. بل لحماية حياته. فبدون الرصيف يضطر المشاة للسير في حرم الطريق مما يعرض حياتهم لمخاطر الدعس من قبل المركبات المستخدمة لذلك الطريق، ومن ثم فإن الاعتداء على الرصيف هو في جوهره اعتداء على حق المواطن في مشي آمن يحمي حياته من خطر الموت.
أو من خطر الإصابة الدائمة، جراء خطر الدعس الذي قد يداهمه في أي لحظة، من لحظات سيره داخل حرم الطريق وهو ما تشهده مدننا عشرات المرات في كل يوم، بعد ان صار المواطن في بلدنا محرومًا من حقه بأرصفة شوارع بلاده، التي صارت تستخدم لكل شيء إلا للهدف الذي وجدت من أجله كممر آمن للمشاة. ففي مدننا، وخاصة عمان، تحولت جلّ أرصفة الشوارع الرئيسة إلى معارض لبيع السيارات، مما يجعلنا نسأل: من الذي خوّل تجار السيارات حق تحويل الأرصفة أمام متاجرهم إلى معارض لمئات السيارات المعروضة للبيع؟ والتي بسببها حرمت شوارع كاملة من الأرصفة التي صارت جزءًا من معارض بيع السيارات. فهل تقوم أمانة عمان بتأجير أو ترخيص هذه الأرصفة كمعارض للسيارات؟ وهل من حق أمانة عمان ان تحرم المواطن من حقه بالسير الآمن على الأرصفة؟.
غير اعتداء معارض السيارات على أرصفة المشاة في عمان وغير عمان من المدن الأردنية، فإن كثيرًا من أصحاب المصالح التجارية وغير التجارية يعتدون هم الآخرون على أرصفة الشوارع، ويحولونها إلى مواقف لسياراتهم طيلة ساعات عملهم، والتي تستغرق كل ساعات اليوم ممّا يحرم المواطن من حقه الطبيعي بالسير الآمن على الأرصفة، وهنا يبرز قصور آخر لأمانة عمان ولبلديات المدن التي استبدلت شرط وجود كراجات للسيارات في المباني ببدل مالي تتقاضاه الأمانة أو البلدية، وتكون النتيجة حرمان المواطن من حقه برصيف يحميه من مخاطر المشي في حرم الشارع وبين المركبات حيث يكون عرضة لخطر الدعس.
لا يقتصر سوء استخدام الأرصفة في عمان وسائر مدننا الأردنية على تحويلها إلى كراجات، سواء للسيارات المعروضة للبيع أو لسيارات أصحاب المصالح، فهناك اعتداءات أخرى كثيرة على الأرصفة، من أبرزها وأشهرها هذه البسطات التي تحتل مساحات واسعة من أرصفة الشوارع الرئيسة في المدن الأردنية، والتي تشكل اعتداء صارخًا على القانون، وعلى حق المواطن في المشي الآمن على الرصيف، وعلى المظهر الحضاري للمدينة، مثلما تقدم دليلاً ماديًا ملموسًا على تقصير وقصور الأمانة والبلديات في تطبيق القانون، الذي يمنع هذه البسطات من إشغال الأرصفة، علماً بأن جزءًا من هذه البسطات هي ملك لأصحاب المحلات القائمة على هذه الأرصفة، وهذه البسطات ليست الاعتداء الوحيد لأصحاب المحلات التجارية على الرصيف، فالكثير من هؤلاء يحولون الأرصفة أمام محلاتهم إلى مجالس أنس وسمر لهم ولأصدقائهم، خاصة في فترات المساء مما يحرم المواطن من حقه في هذا الرصيف، أو في أقل الأضرار خدشًا لحياء المارة، خاصة من السيدات وقد زاد الطين بلة ان هناك من يحول الأرصفة إلى مقاهٍ فعليه تقدم فيها الأرجيلة وسائر المشروبات الأخرى، وهو اعتداء صارخ على حق المواطن في هذه الأرصفة واعتداء على القانون، وعلى المخطط التنظيمي للمدينة، وعلى مظهرها الحضاري وخاصة من الناحية الجمالية.
كثيرة هي الاعتداءات على حق المواطن في المشي الآمن على الرصيف. فبالإضافة إلى ما تقدم، هناك الحفريات لهذه الأرصفة التي تقوم بها المؤسسات الرسمية المختلفة، مثل الأمانة، والبلديات، والمواصلات، والكهرباء، ثم لا تعيدها إلى ما كانت عليه، مما يعطل إمكانية السير عليها في كثير من الأحيان. فإذا أضفنا إلى ذلك حالة النظافة المزرية لهذه الأرصفة جراء تراكم القاذورات فوقها، أو جراء وضع حاويات القمامة عليها، عرفنا حجم معاناة المواطن من الاعتداءات على حقه بالرصيف. وهي الاعتداءات التي تمثل إعلانًا صارخًا على عدم تطبيق القانون من قبل البلديات، وفي مقدمتها أمانة عمان مثلما انها جعلت شوارعنا بلا أرصفة، وجعلت أرصفتنا بلا مشاة، فقد صارت أرصفة عمان وسائر مدننا تستخدم لكل شيء إلا للمشي.
(الرأي)