روسيا و (( الفاشية الإيطالية ))
د.حسام العتوم
19-11-2013 12:42 PM
على بعد 800 كم جنوب العاصمة الروسية موسكو وتحديداً وسط مدينة (روسوش) التابعة لمحافظة فارونيج حراك شعبي وحزبي واعلامي ضد ظهور الفاشية الايطالية من جديد تحت غطاء الاعتراف بخطيئة المشاركة الفاشية بالعدوان على روسيا السوفيتية ابان الحرب العالمية الثانية وبناء مدرسة للأطفال ومجسم يجمع بين رمزية (الخوذة) العسكرية الايطالية الفاشية والنجمة السوفيتية الحمراء وهو ما يستغربه عامة الروس وشخصياً كنت شاهد عيان ولسنين طويلة على الحراك الروسي هناك بقيادة المناضل المخضرم مهندس الديكور لقبب أسطح الكنائس الشاب (نيكولاي سافجينكا) الذي تحرك ولا زال ليل نهار من اجل احداث صحوة روسية معاصرة بوجه الفاشية الايطالية الجديدة وتبعاتها، وتحركت الصحافة ممثلة بصحيفة (مالادوي كومونار) شبه اليومية وبتلفاز مدينتي فارونيج و روسوش.
بدأت الحرب العالمية الثانية عام 1939 عندما غزت المانيا اودولف هتلر النازية بولندا وبقيت ايطاليا محايدة بسبب ضعفها وعدم جاهزيتها لدخول الحرب حتى عامي 1942 – 1943، فكانت صناعتها ضعيفة ولا تشكل سوى 15% من حجم الصناعات الاوروبية، وكانت غارقة بالديون منذ عهد موسيليني الذي بسببه سميت ايطاليا بالفاشية ودخلت في تحالف مع المانيا النازية عام 1943، وبعد اسقاط موسيليني انضمت ايطاليا للحلفاء وتحولت من ملكية الى جمهورية، وجاءت مشاركتها في الحرب العالمية الثانية فعلية لا شكلية، فقنصت واغتصبت واطلقت الرصاص الحي على بسطاء الناس في روسيا وعلى الجنود، ولا زالت ذاكرة الروس الجدد وقدامى المحاربين تتحدث بمرارة عن تلك الايام السوداوية العصيبة التي عصفت ببلادهم والتي خسروا فيها 24 مليون إنسان دفاعاً عن وطنهم، ولم يقبلوا في المقابل بطرد هتلر الى الحدود بل اوصلوه الى عمق برلين ورفعوا العلم السوفيتي على مبنى الرايخ الالماني.
توجد علاقة طيبة وتاريخية بين ادارة مدينة روسوش منذ عهد مديرها ومحافظها ف. م. قرينيوف وقبل ذلك، وتوجد زيارات متبادلة للوفود من مدينة روسوش الى ايطاليا وبالعكس لكن ما لفت انتباه الروس واثار حفيظتهم هو المارش السنوي العسكري الذي ينظمه الايطاليون وبالأوسمة العسكرية الايطالية وفي الشارع المؤدي الى الميدان الرئيسي الذي مارسوا من وسطه القنص عبر تاريخ وجودهم في المدينة ، واوقفوا جنودهم فوقه بصفة احتلالية متعالية ملاحظة، وبالقرب من الجهة المقابلة لمكتبهم العسكري القيادي الذي بنوا فوقه مدرسة جميلة للأطفال اعترافاً بخطيئتهم وذنبهم بحجة دفع موسيليني لهم للحرب والاستكشاف امام جيوش هتلر الألمانية الغازية، ولم يعد الناس هناك يطيقون تصرفات الإيطاليين هذه وبدأوا يتحركون ويكتبون الرسائل لقادة مدنهم ولقيادتهم السياسية من اجل انقاذ مدينتهم ولرد الاعتبار لكرامتهم الانسانية والوطنية وهم الذين ضحى اباؤهم واجدادهم لكي تبقى بلادهم روسيا خالية من الاحتلالات المباشرة وغير المباشرة ، وبالمناسبة الروس من اكثر شعوب الارض حباً لوطنهم وشاعرهم سيرجي يسينين للقرن العشرين يؤكد ذلك في قوله: " لو ان السماء المقدسة صرخت وطلبت من أهلها ترك روسيا والعيش بالجنة لطلبوا البقاء في وطنهم".
إنها جبهة روسية شعبية واعلامية تتكون وتنطلق من مدينة (روسوش) بسكانها المائة ألف المحتاجة لبنية تحتية افضل لمواجهة جبهة ايطالية (فاشية جديدة) تتحرك في عمق صداقتها مع المسؤولين الروس وناس روسيا البسطاء، والايطاليون بدأوا حراكهم بزيارة اضرحة قتلاهم وهو عمل مشروع بالنسبة للروس خاصة بعد عقد الصداقة وانسحاب الجيش الايطالي الثامن 1942 – 1943 ، أي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية التي انتهت بانتصار ماحق لصالح روسيا السوفيتية وبطردها لأدولف هتلر حتى عمق برلين ورفع العلم السوفيتي فوق الرايخ الالماني اي الامبراطورية الالمانية وتحديداً فوق الريستاخ (البرلمان الألماني) رغم الخسارة البشرية التي وصلت الى 24 مليون انسان عسكري ومدني، وحسب اخر المعلومات الميدانية نلاحظ أن الرسالة الروسية الشعبية والاعلامية غير الرسمية وصلت للجانب الايطالي الرسمي وبدأت الاقتراحات الايطالية تتحرك باتجاه تغيير مكان المجسم الايطالي ذو الطابع العسكري ونقله الى داخل ساحة مدرسة الاطفال التي بنوها بأنفسهم وسبق هنا الحديث عنها وهو ما يرفضه الجانب الشعبي الروسي مجدداً حتى لا يبقى ماثلاً أمام ذاكرة أطفالهم.
ليس اصعب على جيل عاش الحرب العالمية الثانية مثل (السوفييتي) ، والتي هي اصعب من الحرب العالمية الأولى بكل تأكيد، وهو الذي شاهد بعيونه مآسيها ، ولا زال على قيد الحياة ان يشاهد من جديد عودة المظاهر الفاشية الى بلاده دون أدنى احترام لمشاعره الوطنية والقومية والانسانية، ولا زال التاريخ يروي لأهالي بلدة روسوش الهادئة والتي تعتمد في اقتصادها على مصنعها الكيماوي للأغراض السلمية (السمادية) تلك الايام العصيبة التي شهدت القنص والاغتصاب والقتل، والدفن الحي، وفي المقابل من يريد استبدال الخطيئة بالسلام يأتي بالسلوك السوي والكلام هنا موجه للإيطاليين القادرين على عرض فلكلورهم وعاداتهم وتقاليدهم بدلاً من عروضهم العسكرية التي تتقدمها اوسمة أدولف هتلر وبنيتو موسيليني، وما نريده من ايطاليا هنا هو ان تنتبه لنفسها اكثر من اي وقت مضى وتتمسك بالصورة الحميدة فقط، والتوجه للاقتصاد والاستثمار والرياضة والفن والموسيقى والابداع ونشر السلام والمحبة.
ايطاليا هي شبه جزيرة تتألف من سلسلة جبال الألب وسواحل سهلية ويزيد عدد سكانها عن 60 مليون نسمة ومساحتها تزيد عن 2 مليون كم2 وعاصمتها روما وعملتها الوطنية هي (اللير)، وفي داخلها تتواجد دولة حاضرة الفاتيكان في روما بمساحة مقدارها 44 هكتاراً وهي اصغر دولة في العالم، وسبق لها ان وقعت اتفاقية (لاتران) بين البابا بيوس الحادي عشر وبنيتو موسيليني 11/2/1929 انهت به مرحلة العداء بين الكرسي الرسولي والدولة الايطالية، والفاشية او الفاشستية كلمة أخذت من رمز ايطالي قديم كان يحمله الاباطرة والقضاة الرومان القدامى، وهي حركة سياسية شمولية تهدف لجعل الايطاليين متعلقين بوطنهم، واطلقت على جماعات مسرحة من الجيش بقيادة موسيليني نفسه ، ونادت بوضع كل شيء باسم الدولة وتبنت فكرة سياسية دينية قومية متطرفة، وارتدت (القميص الاسود)، وفي 1923 أصدر الحزب الفاشي الايطالي على اصادر قانون (اشيربو) للحصول على ثلثي مقاعد البرلمان، والفاشية الايطالية بقيت متجددة حتى بعد خسرانها للحرب العالمية الثانية والانهزام امام السوفييت، ومن غرائب الاحوال هنا هو ان موسيليني دخل حزب العمال الوطني لكنه خرج منه بسبب دخول ايطاليا الحرب العالمية الثانية نفسها وخسرانها، واصدر صحيفة افانتي (الى الامام) ، واسس وحدات الكفاح التي شكلت نواة لحزبه الفاشي، وبعد هزيمته في الحرب المذكورة اعلاه أعدم، ولم ينجح طويلاً في ادخال حبه الى شعبه قسراً ، أو بناء الصورة الذهنية القائدة له وخرج من التاريخ ديكتاتوراً.