التربية المدنية ديمقراطيون بدون ثقافة ديمقراطية
د. اسامة تليلان
19-11-2013 11:35 AM
كشف الربيع العربي وما تبعه من تحولات عنيفة عن خلل خطير في جانب التربية والثقافة المدنية وقصور في منظومة الوعي الديمقراطي في المنطقة العربية، وما تصاعد العنف وانتشار التيارات المتعصبة وعسر فهم آليات التحول الديمقراطي إلا مؤشر على هذا القصور، وهنا يمكن الربط بين غياب الثقافة الديمقراطية وتصاعد نماذج التحولات العنيفة.
ورغم ان الاردن دخل مرحلة تحول نحو الديمقراطية منذ عقدين وشكل نموذجاً مختلفاً لما جرى في دول الربيع العربي، إلا ان عملية التحول الديمقراطي عانت في احد الجوانب من طبيعة الثقافة الديمقراطية السائدة اي عدم مواكبة منظومة القيم الاجتماعية والتوجهات الثقافية السائدة في المجتمع مع التغيرات السياسية والتشريعية والمؤسسية الناظمة للعملية الديمقراطية.
فالتحول السياسي والثقافي نحو الديمقراطية هو تعبير عن محاولة الخروج من البنى التقليدية ومنظومتها الثقافية والولوج إلى مرحلة الحداثة السياسية التي تنتمي إليها الدولة الوطنية بكل محدداتها ومعانيها، بحيث يتأسس معها أيضاً ثقافة حديثة تجدد وتطور وعى الأفراد وتعمق وعيهم الديمقراطي، تجاه الاحزاب والتعددية والمرأة والمواطنة وقبول الاخر والاحتكام لقواعد العملية الديمقراطية.
فالعقود الماضية لم تكن كافية لترسيخ الديمقراطية على المستوى الاجتماعي والثقافي في الاردن، وقد لا يكون كافيا ايضا عقد او عقدين لتحقيق ذلك بدون برامج موجهة لتغيير النسق القيمي الثقافي، وهنا تأتي محورية الحديث عن التربية المدنية كعملية يكتسب الأفراد من خلالها هويتهم الوطنية في اطار المواطنة ويكتسبون معارف وثقافة تنظم وتحدد أنماط العلاقات والتفاعلات بين الدولة والمجتمع وبين أفراد المجتمع ذاته وبينهم وبين غيرهم من المجتمعات والشعوب.
ومن منطلق ان تحقيق التحديث والتنمية لا يمكن إن يتم إلا من خلال تنمية الإنسان ذاته أي بناء قدراته علميا ومهاراتيا ومعرفيا وثقافيا، وهنا تكون التربية المدنية من أهم آليات البناء المعرفي والحضاري للفرد وللمجتمع معا ومن اهم مدخلات بناء الثقافة الديمقراطية.
بيد أن التفكير بأهمية دور التربية المدنية في خلق ثقافة ديمقراطية راسخة بحاجة الى جهد منهجي باتجاهات محددة، يبدأ ببناء برنامج وطني للتربية المدنية يتضمن تحديد الاهداف والمحتوى، فأهداف التربية المدنية متغيرة حسب حاجات التحول، ثم ادخال منهاج التربية المدنية في مناهجنا التعليمية من الصفوف الاولى انتهاء بالتخرج من الجامعة.
وهنا يمكن لمؤسسات المجتمع المدني ووزارات مثل الثقافة والإعلام وصندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية ان تغطي القطاعات خارج اطر المقاعد الدراسية وان تحدث فارقا ايجابيا من خلال برامج التدريب على قضايا التربية المدنية والثقافة الديمقراطية ودعم المبادرات المعززة لها، لأنها لوحدها وبدون ان تدخل التربية المدنية كمنهج مدرسي وجامعي لا يمكن ان يعول عليها لأكثر من عقدين قادمين لتحقيق جزء من الاهداف المطلوبة.