سِيَبوَيْهِ دكتاتورُ النحوِ ومُحنّطُ العربية (3)
د.عودة الله منيع القيسي
18-11-2013 12:50 PM
بعض المثقفين الذين قرأوا مقالتي الأولى عن – ديكتاتورية سيباويه – طالبوني – مشكورين – بأن أوضح الإصلاح الذي أراه يخرج – الفصحى – من قيد التجميد , وأقول : أنا ماضٍ ، في بضع مقالات لتوضيح القواعد التي وضعها سيبويه والتي جمدت الفصحى ، لكن الجواب الكامل عنالإصلاحات والتغييرات التي قدمتها عن بعض قواعد سيويه في كتابي المسمى(رؤىً – نحوية وصرفية – تجديدية )المكون من أربعة أجزاء والمطبوع في – دار البداية /عمان – طلعة الشابسوغ – هـ 4640679
- ومن أسباب تجميد سيبويهِ- للغة- وتحنيطها:
- أن سيبويهِ، ومن سبقه( لقلة المجموع من اللغة، في أيامهم) (تحَكّموا) في كثير من الاشتقاقات، فأفقدوا اللغة .. طاقة كبيرة.
مثلاً-
- النسبة إلى الإضافة: يقرر سيبويْهِ (وقبله.. أستاذه الخليل) أن النسبة إلى الإضافة تكون لجزئها الأول- أو لجزئها الثاني، حَسَبَ المعنى- وليس للجزئين معاً. يقال في النسبة إلى الجزء الأول: في امرئ القيس امْرِئِيّ أو مَرَئِيّ، وفي عبد القيس-عبْديّ.
.. ويقال في النسبة إلى الجزء الثاني: ابن كُراع –كُراعيّ(بحذف ابن)- وابن الزبير(7) –زبيريّ(7).
-أقول: والحق أن في هذا.. تحكُّماً؛ لأنه لا يتضح المعنى دائماً بذلك؛ لأن الأصل هو المعنى؛ فالألفاظ.. حَدَمٌ للمعاني- كما يقوي الإمام عبد القاهر الجرجاني(8) –هَبْ أننا سمينا رجلاً (امَرأَ الحقّ)- أننسب إلى الجزء الأول، فنقول: امرَئي أو مَرَئيّ؟ -وعندئذٍ.. كيف نعلم أن هذه النسبة إلى – امرِئ القيس أو- إلى امرِئ الحقّ؟- والأصل وضوح المعنى، ولذا.. فالصواب في مثل هذا ..أن ننسب إلى كلمةٍ- منحوتةٍ-من الجزئين: المضاف والمضاف إليه- فنقول في – امرِئ القيس: مَرْقَسِيٌّ- وفي- امرئ الحقّ: مَرْحَقِّيّ.
.. ويقول ابن مالك في (الألفية):
(فما سوى هذا.. انسِبَنْ للأولِ---مالم يُخَفْ لَيْسٌ ك "عبد الأشهلِ")
أي :قل: أشهليّ. وأرى أنَّ أصوب منها-النحت-فننحَتْ من- عبد الأشهل-عَشْهل,ثم تنسب إليها فتقول:عَشْهليّ.هذه أوضح في النسبة إلى-عبد الأشهل-من أشهلي-لأن فيها دلالةً على –عبد- وعلى أشهل،وقد استعمل العرب مثل ذلك،فنحتوا من-عبد شمس-عبشماً-ونسبوا لها،قالوا :عبشميّ.. (وقد يحسُن-أحياناً-النسبة إلى أحد الجزئين،عندما لا يسوغ اللفظ—مثلاً :عبد مناف-ليس من سهولةِ اللفظ أن نقول:-عَمَنافيّ - بل الأسهل أن نقول –منافيّ-.
اعتراض:
..بل – ماذا يقول سيبويه (وأستاذه الخليل-وابن مالك)-بأنهم يرَوْن النسبة إلى بعلبك- هي :بعليّ؟ -مع أن الناس(وهم الحكم؛ لأن العامية والفصحى تنبعان من معين واحد، هو اللهجات العربية السبع التي أشرنا إلى عددها-سابقاً)-يقولون :بعلبكيّ-مثل:منير البعلبكي-الكاتب المعروف-لأن –بعلياً- لا يتضح بها المعنى.وإلا.. فكيف نفرق في النسبة إلى بعلٍ-وَحْدَها-بين –بعلبك-و-بعل َزوْرٍ-وبعلَ حِنٍّ-؟ -لذا ..فما جرى عليه الناس في الألفاظ هو الصواب. وماسببُ وقوف سيبويْهِ وأستاذه الخليل، عند الصورتين السابقتين- إلا لأن اللغة.. لم تكن قد جُمِعَ كثير منها في أيّامهما(أما ابن مالك.. فهو مقلد، كغيره من المقلدين- منذ أوّل نحْويّ، بعد سيبويْهِ،حتى يوم الناس هذا، فأصابهم العشا-عمّا عرف من اللغة بعد ذلك ، ولم يدخلوه في نحوهم).
.. بل – على رأي سيبويه واستاذه- لا تصح النسبة إلى- بيْتَ لحْمَ- على –تَلحمِيّ- ولا إلى- عينِ كارمٍ-على- عِكرماويّ- أقول: وهما صحيحتان، بلا أدنى ريْب.
3- ومن أسباب ذلك.. عدم القياس على القليل أو النادر-مع أنه يجب القياس عليه-وجوباً:
- ومما يعتبرونه- غيرَ مقيسٍ –أيْ :شاذّاً؛ يلُفظ ولا يقاس عليه-! – ما أورده سيبويْهِ – نقلاً عن أستاذه الخليل- وهو قولُهُ( .. فمن ذلك- عبشميّ-{ نسبة إلى – عبد شمس}-و- عبْدريّ- { نسبة إلى عبد الدار،أو- عبد ربّهِ} –وليس هذا بالقياس (9)).هكذا ..يقول الخليل.مع أن –عبشماً- نحت،والنحتُ..نوع من أنواع الاشتقاق.
أي : هو شاذّ في – رأيهما-مع أنه،كما أسلفنا،ليس في اللغة استعمال،ولو جاء بكلمة واحدة شاذٌ، ولا يقاس عليه- لأن ( ما يقاس عليه، وما لا يقاس عليه – بدعةٌ- أساءت إلى اللغة إساءة كبيرة، فجعلت الشعراء، والأدباء الناثرين،والمفكرين والمؤرخين....ينكُلون عن استعمال ألفاظ- تقاس على القليل-وهذه اللفاظ هي المناسبة للمعنى، بل هي التي تبرز المعنى ضاحياً،ولاتسدّ ألفاظ أخرى- مكانها- فخسر بذلك المعنى – في الأدب ، والفكر، وكل أنواع التعبير، في مجالات الحياة المختلفة،وقُيّدت ألسنة المتكلمين،بل شُذّتْ بنسعة-كما قال الشاعر عبد يغوث الحارثي:
(أقول وقد شدُّوا لساني بنسعةٍ أمعشرَ تيْمٍ ،أطلقوا من لساننا)
ولولا أن هذا جائز ( وما منعهم من إجازته إلا بِدعةُ الشذوذ هذه التي ألْصقوها ببعض الكلمات والعبارات – القليلة الدوران- وهم على خطأ ،في ذلك،صُراح) –لولا أن هذا جائز- لكان خطأاً (10) أن ننسب إلى –بيت لحم- على (تلحميّ) – وإلى-عين كارم- على (عِكْرِماويّ) –كمل سبق. بل ا ليس هذا فحسْبُ(11) –جائزاً، بل هو واجب من أجل نموّ اللغة، وتطوّرها ومجاراتها لتطور الاجتماع-والحضارة.