كفاح الهاشميين والأردنيين في سبيل الاستقلال (2)
د. معن ابو نوار
17-11-2013 12:42 PM
بالرغم من تلك المشاعر القومية والوطنية العربيه خاصة نحو فلسطين الحبيبه المجاورة لأمارة شرق الأردن ؛ وخلال السنوات الأخيرة من الثلاثينات ؛ كانت الحدود الدولية التي فصلت الأقطار العربية عن بعضها ؛ سواء بالإنتداب أو الحماية ؛ أو شبه الإستعمار ؛ قد تحولت إلى شبه حدود نفسية ؛ وحتى عام 1935 كان الكفاح السياسي وأحيانا الكفاح العنيف المسلح المنبعث من روح الوطنية العربية القطريه: سورية ؛ عراقية ؛ فلسطينيه؛ جزائرية ؛ ليبيه ؛ أردنيه ؛ وما شابه ذ لك في نفوس العرب من سكان العالم ؛ كانت مشاعر العروبة والإسلام لا تنفصل ؛ بل كانت واحده. وكذلك تاريخ وتقاليد العروبة التي حضت جيلين من المثقفين العرب ؛ مثل جيل حزب الإستقلال والجيل الذي تبعه ؛ الذين عادوا إلى إشعال نور الوطنية العربيه في المؤتمر الإسلامي ؛ والمؤتمر العربي في القدس الشريف عام 1931 دليلا واضحا على موقف غالبية الشعوب العربيه من الوطنية العربية الشاملة لجميع الأقطار العربيه .
وقد ضمخ هذا الموقف العربي الأمين الصادق بالدعم والتأييد المادي والسياسي والمعنوي للثورة الفلسطينية في أعوام 1936-1939.
لقد شاهدت الثلاثينات التقدم التدريجي ولو البطيء نحو الإستقلال ؛ وقد تعززت عناصر الشخصية الوطنية الأردنيه الدوليه نتيجة لمثابرة سمو الأمير عبد الله بن الحسين وكفاحه المستمر والدعم والتأييد الذي فاز به من جميع قطاعات الشعب الأردني ؛ والأحزاب السياسية ؛ وشيوخ العشائر ووجهاء المدن ؛ مما أدى إلى النجاح الباهر في تعديل المعاهدة البريطانية الأردنيه لسنة 1928 ؛ والقانون الأساسي الأردني ؛ كما إلى إنتهاء عهد السير هنري كوكس المعتمد البريطاني في عمان إلى تخفيف السيطرة البريطانية التامه على الشؤون المالية والسياسية الأردنيه. وقد نجم عن غياب كوكس واستبداله بكيرك برايد المعتمد البريطاني الجديد حالا جديدا من الصداقة وحسن التفاهم بينه وبين الأمير عبدالله. وكان لتقاعد فريدريك بيك وخروجه من شرق الأردن ؛ وتولي قيادة الجيش العربي الأردني من قبل اللواء جلوب ؛ الذي كان يتقن اللغة العربية ؛ ولو بلهجة عامية إنجليزيه تعزيزا لتحول الجيش العربي الأردني من قوة شرطة مكبلة بقيود بيك العتيقة الباليه؛ إلى قوة عسكرية ناميه تتقدم تدريجيا نحو الحداثة لتقدر على الدفاع عن شرق الأردن؛ والمحافظة على الأمن والسلام وسيادة القانون والنظام في البلاد.
وكانت لمشاركة شرق الأردن كحليفة لبريطانيا والعالم الحر الديمقراطي في الحرب العالمية الثانيه السبب المعنوي الأساسي الأهم في دعم وتأييد كفاح الأمير عبد الله بن الحسين والشعب الأردني من أجل الحرية والإستقلال وقيام المملكة الأردنية الهاشميه عام 1946.
من وجهة نظر أردنيه ؛ لا يوجد أدنى شك بأن العصر الذهبي في تاريخ أمارة شرق الأردن حتى نهاية 1947 ؛ كان بين عامي 1939-1947 . وقد نجح الملك عبد الله بن الحسين والشعب الأردني والجيش العربي الأردني في التجربة الصعبه خلال الحرب 1939-1946. وكان أعظم إنجاز للملك عبد الله هو محافظته على الوحدة الوطنيه الأردنيه رغم جميع الصعوبات التي مر بها ومر معه بها الشعب الأردني بنجاح كامل.
عند نهاية 1947 نجح الأردن في اختبار المجتمع المدني وحكم القانون ؛ وبالرغم من حقيقة أن الشعب الأردني لم يكن متقدما بالنسبة للمقاييس الأوروبية الغربية السائدة ؛ بسبب محافظته على التقاليد والأعراف العربية القديمه ؛ سواء العائلية أوالعشائرية أو القبلية ؛ فهو لم يكن بحاجة إلى تطبيق جميع أشكال الحداثة الغربيه التي سادت خلال الحرب وبعدها. بل كان تمسك الشعب الأردني بتقاليده العربية الإسلاميه واقتباس ما ينفعه في مستوى معيشته ؛ وحكم نفسه بنفسه من الثقافة الغربية أفضل سبيل نحو فوزه بما حققه من منجزات كبيره مع احتفاظه بهويته الوطنية العربيةالإسلاميه.هكذا فاز الملك عبد الله بن الحسين ؛ والشعب الأردني والمملكة الأردنية الهاشمية بشخصيتها الدولية المستقلة ذات السيادة بين الأسرة الدولية.