الجماهير لا "تزحف" في الأردن
فهد الخيطان
17-11-2013 12:32 PM
لا تفوّت المعارضة الحزبية في الأردن مناسبة إلا وتشير فيها لدور الجماهير في التغيير، وتحذّر النظام من أن سياساته الاقتصادية ستدفع بالجماهير إلى النزول للشوارع. مع ذلك فإن مشهد الجماهير وهي"تزحف" للشوارع ظل حلما للمعارضة.
في موجة الربيع العربي التي انطلقت قبل ثلاث سنوات تقريبا، لا أذكر سوى مسيرة واحدة يمكن وصفها بالجماهيرية، تلك التي دعت إليها الحركة الإسلامية وسط عمان قبل سنة ونصف. يومها ثار جدل حول أعداد المشاركين، لكن مهما اختلفت التقديرات، الجماهير نزلت إلى الشوارع يومها.
بعد ذلك اليوم يمكن القول إن الجماهير اختفت في الأردن؛ لم نعد نشهد سوى مسيرات يشارك فيها بضعة آلاف في أحسن الأحوال، ثم انخفضت أعداد المشاركين إلى مئات، وحاليا بالعشرات.
بالمناسبة، الحالة لا تخص الأردن وحده؛ معظم الدول العربية التي شهدت ثورات أطاحت بالأنظمة أو تلك التي تكافح من أجل التغيير بدأت الجماهير تختفي من شوارعها؛ مصر وحدها التي أطاح العسكر فيها بحكم مرسي ما تزال تشهد مظاهرات مناهضة للجيش، بدأت ضخمة وجماهيرية، ثم تقلصت شيئا فشيئا.
لكن الأردن ظل حالة استثنائية، لدرجة صار معها السؤال مشروعا: هل هناك جماهير أصلا في الأردن؟
الجواب، نعم بالطبع؛ لكنها لم تعد مشدودة لتقاليد المسيرات والاعتصامات والوقفات الاحتجاجية، وغيرها من أشكال التعبير الجماهيري، التي تستهوي نشطاء العمل السياسي، ويرددونها في عالمهم الافتراضي.
لقد جربت هذه الأشكال وعلى نحو مفرط في العامين الماضيين. يقدر مسؤول رفيع المستوى عدد الذين شاركوا في نشاطات الأحزاب والحراكات الشعبية والمطلبية بنحو نصف مليون مواطن. ربما يكون الرقم الإجمالي صحيحا، لكن مع ملاحظة حالات التكرار وهي كثيرة؛ إذ إن المئات من النشطاء ضربوا أرقاما قياسية في عدد مرات المشاركة في الاعتصامات. وأصبح بإمكان المتابع لبعض اعتصامات المحافظات، والجامع الحسيني أن يحفظ وجوه وأسماء المشاركين، لكثرة ما شاهدهم أسبوعيا.
وفي الأردن ظاهرة لاتجد مثيلا لها في عديد البلدان، لفت الزميل والصديق "الأنثروبولوجي" احمد أبوخليل الأنظار لها مبكرا، وهي أن جمهور المتفرجين على المسيرات والاعتصامات يفوق في أحيان كثيرة عدد المشاركين فيها.
هنا يكمن لب الحقيقة فيما يمكن أن نسميه نظرية الجماهير الأردنية. التيار العريض في أوساط الأردنيين هو جمهور المتفرجين.
الأردنيون يحبون الفرجة؛ يتجمهرون حول اعتصام، وعند حادث سير لافرق.
مباراة المنتخب الأردني لكرة القدم "النشامى" مع نظيره الأورغواني الأسبوع الماضي، كانت مناسبة نادرة لرؤية الجماهير الأردنية.
لقد تحقق حلم المعارضة بالفعل؛ فقد زحف نحو عشرين ألفا إلى الملعب فغمروا مدرجاته. وهناك فقط سُمعَت الجماهير وهي "تهدر" على حد تعبير الحزبيين، بالهتافات الوطنية، وعند قدوم الملك وعائلته مع بداية الشوط الثاني، كادت الحناجر أن تنفجر من شدة الهتاف والحماس، رغم الخسارة القاسية بخمسة أهداف.
جمهور عريض غالبيته من الشباب الذين تتوق الأحزاب للوصول إليهم ولا تنالهم. لكنهم في الواقع لم يكونوا سوى جمهور من المتفرجين، "الفرجة" هي التي قادتهم إلى هذا المكان، ومثل حالهم في كل مناسبات "الفرجة" عند الأردنيين غادروا بحسرتهم، لكنهم على الأرجح لن يغيروا طبعهم؛ سيظلون متفرجين.
(الغد)