قتلة وظلاميون وليسوا ثوارا ديمقراطيين
جهاد المنسي
17-11-2013 01:49 AM
عندما كنا شبابا كانت مفاهيم الثورات التي قرأنا عنها سواء ما تعلق منها بالثورة الكوبية، أو الفيتنامية أو البلشفية، أو الصينية، أو الفلسطينية التي هي بالأساس ثورة تحرر وطني، أو الثورة الصناعة الفرنسية التي وضعت حجر الأساس، ونقطة الانطلاق الأولى لنقل العالم من مرحلة إلى أخرى، وأثناءها انتقلت أوروبا كل أوروبا، ولاحقا العالم من السوداوية وحكم الإقطاعيين إلى الديمقراطية، وبالتالي إلى مرحلة متطورة علميا، وإنسانيا وحضاريا وثقافيا وفنيا واجتماعيا.
بفضل الثورة الصناعية انفتحت دول العالم على ثقافات بعضها بعضا، فبات لكلمة ديمقراطية معنى وجوهرا، وبدأ الحديث عن حرية الفرد، والمرأة، والمجتمع، والفكر والمعتقد، يأخذ منحنيات أكثر شكلية وأوسع انتشارا، فباتت الديمقراطية لا تستقيم إلا بتحقيق تلك المعايير التي باتت عالمية، وباتت الثورات التي أشرنا إليها تأخذ بالحسبان أهمية نقل شعوب الدول من واقع سوداوي إلى آخر أكثر إشراقا وديمقراطية.
ربما يكون المكان الجديد الذي انتقلت إليه الشعوب بفعل هذه الثورة أو تلك لا يلبي الطموح، ولكن يجب أن يكون أكثر إشراقا من المكان السابق، وإلا لا ينطبق على تلك الثورات مفهوم الثورة.
كل الثورات في العالم تعني ذلك، فلا يجوز إطلاق اسم (ثورة) على حركة إن كانت ترنو لخلاف ذلك أو كان القائمون عليها لا يؤمنون بالتطور أساسا، ولا يؤمنون بالمدنية ويعتبرونها حراما وكفرا.
ما أطلق عليها خطأ بـ "ثورات" شاهدناها خلال السنوات القليلة الماضية لا تستقيم مع مفاهيم الثورة، ولا تستقيم مع أدبياتها، إذ لا تعني الثورة غير التطور والتقدم والسير للإمام.
ما نشاهده اليوم في دول مجاورة، كسورية ودول عربية بعيدة نسبيا كليبيا، ليس له علاقة بمفاهيم الثورات وأدبياتها، فما نشاهده يعني انتكاسة وعودة للوراء لقرون خلت، وتشويها للثورات التي تجلب عادة التطور لشعوبها.
أولئك الذين سرقوا من الثورة اسمها فقط، ولم يأخذوا مفاهيمها وأدبياتها ومعانيها، ينطلقون من فكر لا يؤمن لا بالحريات ولا بالدولة المدنية ولا بحرية المرأة وحقوقها، ولا يؤمنون أيضا بالآخر ويعملون على إقصائه، ويكفّرون كل من يعارضهم أو يحاججهم، ويقتلون أحيانا من يتحالف معهم، والتبرير انه قُتل بالخطأ، كما حدث مؤخرا في سورية مع احد المؤيدين لهم الذي قتل من قبل جماعات تكفيرية لاعتقادهم أنه مع الطرف الآخر ثم تبين لاحقا أنه معهم!!!....أولئك قتلة، لا يعرفون الحوار ولا يؤمنون به.
حتى تحقق أية ثورة أهدافها يجب أن تقوم على أساس ديمقراطي يحترم حرية الرأي والتعبير وحرية الفرد والدين والمعتقد، أما أن تقوم أية ثورة على رفض الآخر وقتله وإبعاده وتهميشه وحبسه فإن ذلك يعني ديكتاتورية وعرفية واستبدادا.
بالمقياس حتى تزيح نظاما ما وتأتي لتحل محله وترضي الناس، فانه يتوجب أن تكون أكثر ديمقراطية وحرية وعدالة من ذاك النظام، أما أن تعلن أنك لا تريد نظاما معينا وترفض أن يكون له وجود، ومن ثم تمارس أبشع وأكثر أنواع القتل والسفك وقطع الرؤوس، وتسبق كل الأنظمة في فظاعتها واستبدادها، فإن ذاك ليس ثورة ولا يريد أصحابها لا ديمقراطية، ولا حرية وإنما ينفذون أجندات خارجية، ولا يفكرون بشعب يقتَل ولا بوطن يقسّم ولا بمخططات تنفّذ وتمر من خلالهم.
الثورات لا تقوم على استحضار الأجنبي ولا تقوم على تمويل من دول لا تعرف الديمقراطية أصلا ولا تؤمن بها، ولا تقوم على أساس تقطيع الدول وتفتيتها وجلب القوى الدولية واستعطاف العالم لقصف هذه العاصمة أو تلك.
الثورات تعني نقل الناس من عصر أسود إلى مكان أكثر نورا وإشعاعا، أما ما يجري في سورية وليبيا فهو ليس ثورة وإنما هؤلاء يريدون نقل الناس من مكان إلى آخر أكثر ظلمة وحلكة، ويريدون هدم الدولة المدنية وتفكيك مكونات الدول.
(الغد)