وارتفع صوت الشعب فوق الظالمين
16-11-2013 02:33 AM
قبل ان ينطق الشارع ببضع سنين، وتعج بالشكوى الساحات والميادين، وبالهتاف، وينتفض الشباب الحر على الظلم والاقصاء من كان يستمع لصوت الفقراء في هذا المجتمع السياسي المخملي، ومن كان يلقي لهم بالا ، والحكومات وحش سياسي لا قلب لها، ولا مشاعر.
من كان يفتح بابه لفقير قد توسخ أقدامه السجادة الفاخرة، وان انسى فلا انسى قصة تلك السيدة الاردنية الغورانية التي دفعت بها الحاجة الى بيت مسؤول امني رفض حرسه ادخالها وقد وصلت ليلا طمعا في لقائه، وظلت مصرة على المقابلة حتى عم المساء ، وظلت ترمي بنفسها على بوابة القصر حتى حن عليها الحرس فزودوها "بشوال" تلف نفسها به الى الصباح، وكان الوقت في مربعانية الشتاء، وليس بوسعها العودة الى الغور، والى اليوم التالي حيث طلع الصباح البائس فسحبت نفسها المهزومة من امام قصره.
من كان يرفع هاتفه لوقف الظلم الذي الم بمسكين، أو استعادة حق له ضاع تحت وطأة الواسطات، من اهتم لأجل خبز الفقراء وكسائهم، ورؤساء الحكومات لا يكفون عن الرفع، و لا يحسنون سوى تضيق فسحة الامل في وجه الاجيال الاردنية المتعاقبة.
وهل ابقوا "للحراثين" من شيء بعد بيع المؤسسات، والثروات الوطنية، وأكثر الاردنيين فقد القدرة على دفع ثمن علاجه، وأصبحت حياته وأصبح مماته بلا قيمة.
ماذا يمكن أن يقال وقد بلغت قسوة قلوب الفاسدين أنهم حولوا الوطن الى جحيم، والهبوا قلوب الاردنيين بالاسعار، واسقطوا حقوق الملايين الذين باتوا لا يلوون على شيء.
والدولة لا تحترم الفقير لأنه بلا صوت، والمسؤول على سوية طبقية عالية لا يخفض جناحه، ولا يخدم افراد الشعب المسالمين.
من كان يشعر بمرارة قلب الفقير، وهو يذل أمام الأبواب المغلقة ، و" يلزق" حتى يخرج "المهم" من قصره لعله يراه ، ويأخذ بالصراخ "يا سيدي" ، والحرس يحاول إبعاده.
من كان يدرك مدى حرجه ، وهو تطرده السكرتيرات المتعاليات، وهو يتلهف على رؤية المسؤول لأن الحل بيده، ذلك الاردني البسيط الذي عندما يضع ورقته التي كتبها حظه العاثر في يد مسؤول يرتاح، ويشرق الأمل في حياته، ولا يدري المسكين أن اسمه لا يثير في وعي الدولة أي انطباع، وأن مصير ورقته كانت سلة المهملات. فالأسماء الكبيرة هي المقدرة فقط، والأسماء الصغيرة لا شكوى لها، والحقوق لا تترتب على المواطنة الا في اوراق الدستور، وانما هي عملياً تكبر وتصغر على حجم الواسطة.
كان الفقراء لا صوت لهم قبل اكتشاف الشارع، وان كان الشعب هو مجموع هذه الاصوات.
الفقراء لا صوت لهم، وكلهم درجوا على الحديث باسم الشعب وحقوقه وحرياته وسيادته وتنميته، ومؤسساته، وشهدائه وباعونا الكلام بانه مصنع الرجال، ومصدر السلطات وأن حقوق الشعب مصونة، ومؤسساته بايد امينة ، ويجب تطوير مستقبله، وتتابعت الخطط الخمسية، وكل هؤلاء الجاحدين الذين منعوا الحقوق الأساسية عن الشعب المديون بعشرين مليارا صاروا اصحاب سيادة ومعالي وعطوفة ، وجلسوا على الكراسي العالية، وحازوا اعلى المناصب، والألقاب، واستلموا الرواتب الخيالية، والمياومات، وركبوا السيارات الفارهة، واستخدموا مواقعهم للثراء، لأن وجود هذا الشعب وصمته أوجد لهم هذه الحظوظ.
وصار الشعب استثماراً للذوات، وابنائهم، واحفادهم، واستولوا على كل شيء، وباعوا اصول الدولة بالصفقات المشبوهة، وقاد الفاسدون عجلة التنمية في المحافظات والارياف فغدت قاعا صفصفا.
وبلغ الاستبداد ان حاربوا الفقراء الساكتين حتى على لقمة خبزهم، ودفئهم وضوئهم، والماء. واستطاعوا أن يفرزوا أنفسهم على التوالي ضمن عملية سياسية لم يرغبوا لها ان تتغير، لكي يظلوا اصحاب القرار والثراء والوجاهة، ومقسم حقوق الناس ، وصارت حقوق هذه الكتلة الكبيرة من الاردنيين العوبة بأيديهم، فلله در الفقراء الذين فاض بهم الكيل فبورك حراكهم.
وعندما ضج الاردنيون بالشكوى وعلا صوت الساحات والميادين ، ونصبت الخيم على الدواوير تحت هول الظلم والاقصاء والإجحاف، وضياع الاعمار من خلف مطلب لقمة الخبز ، وتحول حقوق الاردنيين إلى أحلام.
عندما تململ الشعب صعق المسؤولون من هول ما اعتبروه انقلاباً على الولاء، وشرعوا بتعليم الشعب الخنوع مجددا بواسطة محكمة امن الدولة.
والحق اقول ان الشعب الطيب تغيرت ملامحه، وتشوهت مشاعره الوطنية ، ولم يعد قادرا على الحب، وقد قضم الفسدة وطنا بأكمله من اصحابه الطيبين، ووقفت النخب الرسمية حاجزاً اسمنتياً تحول بين الناس وامكانية العيش الكريم. واستولى "الاسياد" على المقدرات والثروات الوطنية في بضع سنين، فخفت الشعور الوطني لدى العامة، وفقد التراب الوطني روعته في عيونهم، ولكنهم ليسوا خائنين، وإنما مخذولين، وفاقدي الأمل في التغيير. فالوطن ليس تراباً أو حكومة أو رئيس حكومة ، ذلك ان التراب في كل مكان واحد، وإنما هو في الاصل حقوق الناس، وحرياتهم فضلا عن سعادتهم.
الوطن هو مجموع ما يتحقق لأبنائه من مكتسبات تحت حكم المؤسسات، وهو ليس ترابا او مفهوماً عاطفياً يضحك به الأغنياء على الفقراء ليبقى خضوعهم مستمرا، ويستمر "مص" دمائهم، وإنما هو عيش كريم، وتراب يحفظ كرامة من يعيشون فوقه، ويقررون مستقبلهم بحرية.
فهل يدركون السادرون في الغي، ومن يستمرون في مسرحية الولاء والانتماء ان الطوفان قادم، وان الشعب عرف طريقه، وان درس الاقليم خير واعظ.
النائب علي السنيد