ما تزال حلول أزمة الطاقة مؤجلة يحتاج تنفيذها أشهراً طويلة، سيبقى المواطن خلالها يعاني من تبعات فاتورة الاستيراد على حياته، متأثرا بالقرارات التي تتخذها الحكومة للتخفيف من عبء هذه الفاتورة على الخزينة، والتي تبلغ قيمتها 3.5 مليون دينار يوميا؛ سببها الرئيس هو انقطاع الغاز المصري.
مشاريع الطاقة التي توفر بدائل محلية ظلت مؤجّلة منذ أمد، بسبب مماطلة الحكومات خلال العقد الماضي. ولم تتم أبداً إدارة القطاع بعقلية تدرك حاجة البلد إلى وضع حلول جذرية لمشاكل هذا القطاع، ما أدى إلى تأخير الالتزام باستراتيجية الطاقة التي تقوم على توفير خليط من مصادر الطاقة المحلية.
الإهمال الطويل والمُمِل ظلا لزمن، لكنّ الظاهر أن الحكومة الحالية بدأت تتخفف منهما، من خلال التركيز أكثر على مشاريع الطاقة، ومحاولة تسريع وتيرة تنفيذها.
الاهتمام واضح، وكل التصريحات التي تخرج تعطي أملا بإمكانية تقليل فاتورة الطاقة، من خلال التركيز على مشاريع الطاقة المتجددة والبديلة، والاعتماد على الوقود الثقيل في توليد الكهرباء.
إذ من المفترض أن توقع الحكومة، خلال الفترة المقبلة، اتفاقيات شراء الكهرباء من شركات الطاقة المتجددة. ومن المنتظر، أيضا، تأهيل مجموعة جديدة من المستثمرين لتنفيذ المرحلة الثانية من المشروع.
ميناء الغاز والنفط هو الأهم، لدوره في توفير بديل مستورد رخيص من الغاز. وقد أنهت الحكومة طرح عطاء التنفيذ، ووفرت الباخرة العائمة التي ستُستخدم لاستقبال الغاز بكلفة 40 مليون دينار. وهي تعمل في الوقت ذاته على تقييم عروض الشركات التي تقدمت لعطاء تزويد المملكة بالغاز من قبل مزودين عالميين.
التطورات التي نشهدها في ملف الطاقة ترتبط بإحساس رسمي بحجم الأذى الذي يسببه تهميش هذا الملف وإهماله، وتبعات ذلك الخطيرة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، من حقيقة أن فاتورة الطاقة هي العامل الرئيس في تفاقم الأزمة المالية، وانعكاسها على عجز الموازنة العامة الذي يتوقع أن يرتفع خلال العام الحالي ليصل إلى 1.2 مليار دينار.
أموال المنحة الخليجية ساعدت كثيرا في المضي في تنفيذ مشاريع الطاقة السابقة، ودفعت أيضا باتجاه اتخاذ خطوات حقيقية في هذا المجال. ولربما شكلت عامل دعم، كذلك آلية الدفع المتفق عليها بين الحكومة والدول الخليجية، لناحية اشتراط التنفيذ قبل تسديد النفقات.
المخزون الاستراتيجي من مصادر الطاقة مسألة يُفترض أن تنتهي، بعد أن طرحت وزارة الطاقة عطاءً لزيادة التوسعة التخزينية، مع الأخذ بعين الاعتبار معدلات النمو السكاني، واللجوء السوري، وتأثير ذلك على زيادة الاستهلاك المحلي من هذه السلع الاستراتيجية.
أما المشروع النووي، فهو خلافي وجدلي، وما تزال الأصوات ترتفع محذرة منه. ورغم أن المضيّ في هذا المشروع مصلحة وطنية، إلا أن الحوار حوله ضرورة، حتى تتم الإجابة عن جميع الأسئلة المنطقية المطروحة بخصوصه. والهدف هو طمأنة المجتمع من محاذير ما تزال قابعة في أذهان أبنائه بعد حادثة فوكوشيما في اليابان.
ولا يقل أهمية عن تنفيذ المشاريع، العمل على خلق أجواء تنافسية حقيقية بين الناشطين في القطاع، وتحديدا محطات المحروقات التي تبيع بسعر موحد تحدده الحكومة، ليصب ذلك في نهاية المطاف في صالح المستهلك.
ولا ضير من التفكير مجددا في نسبة الضرائب المفروضة على المحروقات، ودراسة إمكانية إعادة النظر فيها لتقليل الكلف على المواطن والمستثمر.
التقصير في تنفيذ المشاريع لن يكون مقبولا. وإصرار الحكومة على الإصلاح المالي الذي يترجم بقرارات صعبة، يجب أن يلازمه إصلاح "طاقوي"، يضع حلولا جذرية لمشاكل الأردن المستعصية.
(الغد)