وفق ما نشر على لسان رئيس ديوان الخدمة المدنية خلف هميسات، فإن التعديلات على "النظام" التي عُرضت على مجلس الوزراء هذا الأسبوع وتم تحويلها إلى ديوان التشريع والرأي، تقوم على أفضل الممارسات في إدارة الموارد البشرية، وتتضمن توسيع صلاحيات الأمناء والمديرين العامين واللجان المركزية ولجان الموارد البشرية، ومأسسة تقييم أداء القيادات في الجهاز الحكومي والترقية للوظائف القيادية والإشرافية.
والخبر الطيب بالنسبة لموظفي الفئة الثالثة الذين حصلوا على البكالوريوس خلال خدمتهم، هو أن التعديلات سوف تسمح بتعديل المسمى الوظيفي ليتناسب مع درجتهم العلمية؛ أي أن ما كان يتم بالاستثناء ومداورة وعلى نطاق ضيق، سيتم الآن رسميا كحق للجميع، ضمن المهلة الزمنية المحددة.
هذا حسن. لكن حبذا لو تم التشاور مع مجلس النواب. فهذا "النظام" يقع في صلب مشروع الإصلاح الإداري، وهناك الكثير من الآراء الجديرة بالاستماع إليها وأخذها بالاعتبار. وكان يستحسن وضع النواب سلفا بصورة التعديلات والتغييرات المقترحة، وشرح خلفيتها وموجباتها، وتحقيق القناعة بها والتوافق حولها؛ وهذا جانب من جوانب تجسيد مبدأ الشراكة والتعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.
إن قضايا النقل والتكليف والإعارة والإجازة من دون راتب وغيرها، هي الخبز اليومي في متابعة النواب لقضايا مواطنيهم، ونتمنى لو تصبح كلها مضبوطة بطريقة صحيحة وعادلة، تراعي مختلف الاعتبارات. ولا بد أن النواب لديهم ما يقولونه بهذا الصدد.
أكثر من ذلك، فإن نظام الدور نفسه في ديوان الخدمة يستحق التوقف عنده، وتقرير ما إذا كان صالحا وينبغي الاستمرار به. وكما هو معلوم، فإننا نسير الآن وفق نظام النقاط التي تتوزع على عدة محاور، منها الأقدمية وعلامات الشهادات، وهناك نقاط أيضا للامتحان والمقابلة الشخصية. وهذه الأخيرة على أهميتها لغايات أخذ الكفاءة بالاعتبار، فإنها أيضا تفتح شقا للواسطة والمحسوبية.
ولا تنتهي أبدا تظلمات ومراجعات المواطنين الذين يقضون سنوات وهم ينتظرون، من دون أن يعرفوا أبدا متى يأتي دورهم في التعيين، ما دام الدور لا يراوح مكانه، بل يمكن أن يتراجع مع تقدم السنوات. فقد تبدأ ودورك خمسة مثلا، وتنتهي بعد عشر سنوات وقد رجع دورك إلى عشرين. ومهما شرحت "النظام"، فلن يقتنع المواطن كيف أن دوره مع طول انتظار يرجع بدل أن يتقدم.. إنها قضية عبثية تماما.
من التجربة، فإن هذا "النظام" لم يعزز الكفاءة، ولم يطور الجهاز الإداري. وفي نهاية المطاف، سوف يُوظف أناسا من مستويات مختلفة. وأوشك شخصيا أن أصل إلى القناعة باعتماد معيار وحيد، هو تراتب الأقدمية بصورة منفردة وقاطعة؛ فهي الوسيلة التي تلغي كل احتمال للواسطة والمحسوبية، وتضمن حقوق الأفراد، وأيضا -وهذا مهم جدا- تسمح بأن يعرف الأفراد ما هي فرصهم المحتملة بالضبط، من خلال معرفة أين هو موقعهم الآن، وما هي الفترة المتوقعة لوصول الدور لهم. وهذه وجهة نظر قد تقابلها حجج قوية لوجهات نظر أخرى، وهي مع الكثير من التعديلات، تستحق أن تخضع للحوار العام، وخصوصا مع ممثلي الشعب، قبل إقرار "النظام".
(الغد)