حافظ أمين يكتب: محكمة أمن الدولة في الأردن
14-11-2013 06:47 PM
كتب المحامي حافظ أمين: الذين يشنون حملتهم على محكمة أمن الدولة فاتهم أن هذه المحكمة لا تختلف عن محكمة الجنايات الكبرى من حيث كونها محكمة خاصة وفقاً لأحكام المادتين (99) و (100) من الدستور وتمارس هذه المحكمة اختصاصها بموجب أحكام الدستور وقانونها الخاص بها. واذا كان مأخوذاً على هذه المحكمة تأليفها من هيئات قضائية عسكرية، فأن تأليف هذه الهيئات من قضاة عسكريين لا عضاضه فيه، لأنهم مستقلون ولا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون. فمن ناحية أشخاص القضاة، فانهم جميعهم من حملة الشهادات الجامعية الاولى في القانون من احدى كليات الحقوق في المملكة أو خارجها، ومنهم من هم من حملة الشهادات الجامعية الثانية (الماجستير) ومنهم من هم من حملة الشهادات الجامعية الثالثة (الدكتوراه). ومن القضاة العسكريين من زاولوا مهنة المحاماة لسنوات ومنهم من اوفدوا بدورات إلى المعهد القضائي ويوفدون بدورات قضائية إلى مختلف دول العالم، كما يتم انتدابهم لدائرة المحامي العام المدني للدفاع عن الحكومة في القضايا الخاصة بالقوات المسلحة مدعيه أم مدعي عليها مما يزيد من خبراتهم.
ولما كان استقلال قضاة محكمة أمن الدولة مرتكزاً على نص المادة (97) من الدستور، فانه يسري على قضاة الهيئات المؤلفة من قضاة عسكريين كما يسري على الهيئات المؤلفة من قضاة مدنيين، لأن مبدأ استقلال القضاة في قضائهم مقرر دستورياً وبالتالي فلا مجال للخروج عليه بمقولة أنه يسري فقط على القضاة المدنيين.
وفوق كل هــذا، فأن هيئات محكمة أمن الدولة سواء كانت مؤلفة من قضاة مدنيين أو قضاة عسكريين تلتزم باتباع قواعد قانون اصول المحاكمات الجزائية المعمول به، ويتمتع من يحاكم امامها بنفس الضمانات التي يتمتع بها من يحاكم أمام محكمة الجنايات الكبرى من حيـث علنية المحاكمة، وحـق الاستعانة بمحام
للدفاع عنه. وعلاوة على هذا وذاك، فأن قرارات محكمة أمن الدولة قابلة للطعن لدى محكمة التمييز وفقاً لاحكام المادة (9) من قانونها رقم 17لسنة1959 وتعديلاته سواء كانت القرارات في جنايات أم جنح. ومن هذه الضمانات ان الحكم بالاعدام أو بعقوبة جنائية لا تقل عن عشر سنوات تابع للتمييز ولو لم يطلب المحكوم عليه ذلك، اي ان هذه الاحكام مميزه بحكم القانون.
وتنعقد محكمة التمييز للنظر في التمييز المرفوع اليها من خمسة قضاة على الاقل وتعتبر في هذه الحالة محكمة موضوع يجوز لها أن تصدق الحكم بناء على البينات الواردة في الملف أو ان تنقضه وتبريء المتهم أو تدينه ولها ان تحكم بما كان يجب على محكمة أمن الدولة ان تحكم به.
واذا تبين لمحكمة التمييز ان هنالك خطأ في الاجراءات أو مخالفة للقانون فيجوز لها ان تنقض الحكم وتعيد القضية إلى محكمة أمن الدولة للسير بها وفقاً للتعليمات التي تقررها. وفي جميع الاحوال يكون قرار محكمة التمييز قطعياً.
مع التأكيد هنا، على ان الهيئة التمييزيه جميع قضاتها مدنيون. فأذن لماذا هذه الحمله على محكمة أمن الدولة وبخاصة اذا كانت مؤلفة من قضاة عسكريين على درجة عالية من التأهيل والكفاءه.
إن الحمله على المحاكم العسكرية فيما مضى كان لها ما يبررها، ذلك ان القضاة الذين كانت تتألف منهم من ضباط الميدان من غير حملة الشهادات الجامعية في الحقوق. أما بعد التطور الكبير الذي طرأ على المحاكم العسكرية ورفدها بقضاة من حملة الشهادات الجامعية الاولى والثانية و الثالثة، وايفادهم بدورات الى المعهد القضائي وبدورات قضائية متقدمه سواء في المحيط العربي أم الاجنبي وانتدابهم للعمل أمام المحاكم النظامية لسنوات، واختيـار بعضهم ممن زاولوا مهنة المحاماة لسنوات، فأن من غير السائغ أو المقبول شن الحملات المغرضة على هذه المحكمة وقضاتها من العسكريين لحسابات لا تصب في مصلحة العدالة وضماناتها والتي اشرنا اليهــا سابقــاً.
ان الجرائـم التي اوكل المشرع الدستوري امـر النظر فيها لمحكمة أمن الدولة والمؤلفة من قضـاة عسكريين تتسـم بالخطورة، ولا يعني ان تتولى النظر فيها محكمة خاصـة تدعى محكمة أمن الدولـة انتقاصاً من مكانة القضاء النظامي ولا تشكيكا بدوره وقدرته بالاطـلاع بوظيفة القضاء، لان هـذه المحكمة شأنها شأن محكمـة الجنايات الكبـرى، والتقاضي أمامها كمحكمة أول درجة محاط بضمانات لـم تكـن متوفـرة عندمـا كانت سائـدة تعليمـات الادارة العرفيـه.
وعليـه، فأن وجود مثل هذه المحكمة بالضمانات القانونية التي اشرنا إليها لا غضاضه فيه.
لذلك لا نرى مبرراً لهذه الحملات التي تخرج علينا بين الحين والاخر مطالبة بألغاء هذه المحكمة، لأنّ مثيلاتها في الدول الاخرى وبخاصة الدول العربية لم تحطها التشريعات التي نصت على انشائها بأية ضمانات كأن يكون قضاتها من المشتغلين بالقانون والزامهم باتباع قواعد قانون اصول المحاكمات الجزائية، وقابلية قراراتها للطعن بها أمام محكمة التمييز، لذلك كانت المطالبة بألغائها في تلك الدول محقه لغياب الضمانات التي أشرنا اليها، ولأن هذه المحاكم أنشئت بمقتضى قوانين الطوارئ في تلك الدول والتي تعتبر بمثابة أحكام عرفيه جردتها من الضمانات القانونية التي تكفل العدالة للمحاكمين أمامها، واحكام تلك المحاكم قطعية ولا تتبع أياً من طرق المراجعـة أو الطعن.
واذا كان المشرع الدستوري قد اوكل امر النظر في جرائم الخيانه والتجسس والارهاب والمخدرات وتزييف العملة إلى محكمة أمن الدولة بهيئتها العسكرية أو المختلطة فما ذلك الاّ بقصد تعزيز فكرة الردع العام حيال مكافحة ومنع ارتكاب هذه الجرائم من قبل الافراد، وليس بقصد الانتقاص من الضمانات القانونية أو التغول عليها، لان هذه الضمانات مقررة بنص القانون، ولا أحد فوض القانون.
لكل ذلـك، لا نرى موجباً في المدى المنظور لالغاء هذه المحكمة لما في ذلك من ضمانة لتحقيق فكرة الردع العام وتعزيز الامن والامان الذي تنعم به الدولة الاردنيــة.