سِيَبوَيْهِ دكتاتورُ النحوِ ومُحنّطُ العربية (2)
د.عودة الله منيع القيسي
14-11-2013 12:47 PM
بعض المثقفين الذين قرأوا مقالتي الأولى عن – ديكتاتورية سيباويه – طالبوني – مشكورين – بأن أوضح الإصلاح الذي أراه يخرج – الفصحى – من قيد التجميد , وأقول : أنا ماضٍ ، في بضع مقالات لتوضيح القواعد التي وضعها سيبويه والتي جمدت الفصحى ، لكن الجواب الكامل عنالإصلاحات والتغييرات التي قدمتها عن بعض قواعد سيويه في كتابي المسمى(رؤىً – نحوية وصرفية – تجديدية )المكون من أربعة أجزاء والمطبوع في – دار البداية /عمان – طلعة الشابسوغ – هـ 4640679
كيف جمّدَتْها وحنّطتْها- قواعدُهُ؟
-ذلك .. لسبعة أسباب مُدمّرة هي :
1= أنه (ومن سبقه) جاؤوا ببدعة أوقفت نموّ اللغة؛ فقد قسموا اللغة إلى قسمين ماهو (أعمُّ أغلبُ) من الظواهر،وقرروا أنه يقاس عليه.وماليس من الأعمّ الأغلب (وهو القليل أو النادر)- وقرّروا أنه (شاذّ) لا يقاس عليه. مثال ذلك .. أن صيغة المذكر التي على وزن (فعْلان) –مؤنثها على وزن (فَعْلى) –مثل :ظمآنُ – ظمأى/ غيرانُ –غيرى، وهذا .. هو الأعم الأغلب – عندهم -،في هذه الظاهرة اللغوية.. فيقاس عليه.
..أمّا – ما جاء على وزن (فعْلان) –ومؤنثه ( فعلانة) – فهو- عندهم- شاذ لا يقال عليه. ومثاله= ندمانْ – ندمانة / أسْيان-أسيانة.
-وهذه رؤية في الغاية من الخطأ والخطورة= في الغالية من الخطأ.. لأن اللغة لم تكن قد اكتمل جمعها ،بل لم يكن قد جُمع أكثر من نصفها،في زمن سيبويهِ،ومن سبقه ، إذْ توُفّيَ سيبويه سنة -185 هـ. واللغة ..لم يتمّ جمعها، قبل نهاية القرن الثالث،وبذا .. يكونون قد قعّدوا قواعدهم، بناءاً على استقراء ناقص،كثيراً.ودليل ذلك أن مصطفى الغلاييني-صاحب كتاب (جامع الدروس العربية) في النحو-سَردَ،مما جاء على (فعلان-فعلانة) أربعَ عشْرَةَ (6) – كلمة. وأنا –عَرَضاً- وجدت أربع كلمات، لدى مطالعتي موادَّ في معجم (لسان العرب).
وإذن-أ-شاذٌ ما حَصّله النحاةُ من ثمانيَ عشْرَةَ –صيغة؟-أم هو أصلٌ معْتبرٌ؟-
( وهي ليست كل ما ورد في اللغة)-أم هو أسلوب آخر-؟ يجب أن يقاس عليه.
- ثم.. هبْكَ وجدتَ من مادة لغوية كلمة ًواحدةً –لماذا تصفها بأنها شاذة؟- لماذا لا تقول لم أجد، في هذا الباب- إلا كلمة واحدة؟ لأن الكلمة الواحدة.. يجب أن تكون (نواةً) يقاس عليها؛ لأن اللغةَ –كُلَّ لغة- لا تنمو نُموّاً كافياً، ولا تستطيع أن تساير نُمُوَّ الحياة وتطوُّرها- إلا إذا استُثْمرت جميع طاقاتها. أمّا الانتقاء في اللغة-كلِّ لغة .. فهو عدم-إدراك- لطبيعتها-التي تقوم على الكثير-كما تقوم على القليل.
.. بل-إن القليل في عصر قد يُضحي كثيراً في عصر آخر.أمَا ترى أن الناس.. أضحَوْا،حتى الكتابَ،يستعملون(فعلانَ-فعلانةَ)أضعافَ أضعافِ-(فعلانَ- فعلى)؟-إن "بدعة" أن بعض اللغة يقاس عليه، وبعضه لا يقاس عليه.. أدى إلى خلل كبير في نمو اللغة،أدى إلى جمود بعض جوانب في اللغة،وتوقفها عن النمو.إنها أضحت صيغاً –محنطة- كمومياءات الفراعنة.
.. وقد يقال:لكنّ (فعلانَ-فعلانةَ)عاميّةٌ- فأقول:إن الذي له أصل ٌفي الفصحى-في لهجة من لهجات العرب-السبع-التي جُمِعت منها اللغة- ولو كلمةً واحدة- ليس عاميّاَ. بل هو فصيح- يقاس عليه،بل يقاس على الكلمة الواحدة.فما جاء، في لهجة من هذه اللهجات، ولو كلمةً واحدةً كان للناس- عوامَّ وعامّةً ومتعلمين- أن يستعملوها، وأن يقيسوا عليها.
.. ثم –إن الكلمات كالناس( واللغة..بِنتُ المجتمع) –قد يشتهر بعضُهم ،ويخمُل بعضُهم الأخر- بل قد يشتهر المرءُ، في حِقبة ،ويخمل في حقبة أخرى.أمَا ترى أن الكُتّاب المجدّدين.. يشتهرون،ويكثر دَوَرانُهم على الألسنة،في عصور- الحرية والازدهار، والتقدم.. ويخمل ذكرهم،في عصور الظلم والاستبداد والفساد؟ وعكسهم الكُتّابُ المقلِّدون.
العاميةُ والفصحى:
- بل .. إن العاميّة والفصحى- أُختان؛ لأن العاميّة هي الفصحى، بعد أن طرأ على بعض حروف- بعض- الكلمات.. تغيّر-كأن يقول العامة- بِكتب –بدل يَكتب. أي:يبدلون – بالياء- باءَاً. وكأنْ يلفظ سكان المدن- الثاءَ.. سيناً،أو الذالَ..زاياً. وهذا .. لا يفقد الكلمة أصلها.بل- إن كثيراً من الكلمات يلفظها العامّة والفصحاء- بنفس- اللفظ؛ فالجميع يصفون فيقولون؛ فلان صادق-ذكيّ ، عاقل، جبّار، حكيم، حِرّيف في موضوع كذا....
.. وهكذا- عندما تكون الكلمة في سياق، مع فرق واحد، وهو أن العامّة.. لا يحركون آواخر الكلمات، أمّا الفصحاء.. فيحركون- غالباً-
.. ومن أدلة أن العاميَّة أختُ الفصحى- أن التلميذ،عندما يدخل المدرسة، في الأول الابتدائي،ويقول له معلمه بالفصحى:كيفَ حالكَ؟ -يفهم كلامه، ويجيبه بالعامية.وإذا قال له، من أوّل يوم:استخرجْ دفتَركَ وقلمَكَ (محرّكةً) يفهم كلامه،فيخرج قلمه ودفتره.ولايُدرك هذا،وأمثاله،من نشأ في بيئة إنجليزية –مثلاً-
.. فالعامية والفصحى- أختان، على شرط أن تستعمل كلٌ منهما- بشكل عامّ- في مجالها:العاميّةُ.. في الحياة اليومية،وتحادث الناس في حوائجهم اليومية - والفصحى..في المحاضرات،والخطب، والكتابة.ولابأسَ- في من أحسّ بنفسه قدرةً على أن يتكلم الفصحى،في كل شأن ، وكل مجال..أن يلتزم بها.
= ومثل الكلمات- التراكيب: فكثير من تراكيب العاميّة..مماثلة لتراكيب الفصحى-مع سقوط معظم الحركات من العامية- ليس أكثرَ.