يحيى وزيد والعنود ، ثلاثة اطفال ، في عمر الورد ، رحلوا عن هذه الدنيا ، رحلوا وتركوا لوالدهم ووالدتهم ، اللوعة والاسى ، ومن يذق مرارة كأس فقدان طفل ، يعرف اليوم ان قلب الوالدين ليس معنا ، اليوم ، انه هناك ، يحلق بحثا عن طيف من رحلوا.ثلاثة اطفال ، قتلهم حادث سير الحافلة ، المتوجهة الى الشمال ، قبل يومين ، ومعهم شقيقان ، يرقدان في المستشفى ، بعد ان اصيبا بكسور ورضوض. حين نقرأ ما يقوله الاب وترويه الام ، نشعر بغضب ، فذرف الدمع ، على خمسة اطفال ، لم يعد كافيا ، ومبادلة روح الانسان ، بفنجان قهوة ، وفقا للعادات العربية ، بات قمة الاستهتار ، اذا عرفنا ان الروح الجمعية ، لدينا ، لا تخاف من القتل ، لانها تعرف ان القصة تنتهي في نهاية المطاف ، بعطوة ، على الرغم من ان دول العالم المتقدمة ، باتت تعتبر حوادث السير القاتلة ، بمثابة جريمة قتل غير متعمد ، وتحاكم المتسبب على هذا الاساس.
يحيى وزيد والعنود ، حتى كأني بالعنود تصهل على فرسها ، في السموات العلى ، حتى كأني بها تلتقي بابنتي ساجدة هناك ، التي رحلت عن احد عشر عاما ، بعد صراع طويل مع المرض ، منذ ولادتها ، حتى كأني بالعنود ، ابنتي التي فارقتني ، فلا اجد ضحكاتها ، ولا همساتها ، ولا طلباتها ، ولا اجد من ادلل اليوم ، حتى كأني بالعنود ، تسألنا اليوم ، عن الذي نفعله اليوم ، لانقاذ ارواح الالاف من حوادث السير القاتلة.
لا اجيب العنود ، نجمة الشمال ، لا اجيبها ، فكل جريمة سير تقع يحلها الناس بعطوة وفنجان قهوة ، والسائق ، كل سائق لدينا ، يبقى متهورا ، والهبة العاطفية عند كل جريمة قتل بسيارة ، سرعان ما تزول ، كيف لا..والمراهقون لدينا في عمر الثمانية عشر عاما يتم منحهم رخص قيادة ، ولااحد يريد ان يرفع سن السائق ، في حده الادنى الى اثنين وعشرين ، كيف لا..يا أميرة البنات ، والتعليمات تسمح لسائق الحافلة ، ان يبقى سائقا ، وعمره ستون عاما ، حتى لو اصيب بضعف النظر والقلب ، كيف لا..ايتها العنود ، والحكومات لدينا ، لاتجد حلا ، سوى زيادة قيمة مخالفات السير ، كيف لا..وكل شيء يتم حله بالواسطة ، فسحب الرخصة ، يلغى بواسطة ، والمخالفة تلغى بواسطة ، وروح الانسان ، يتم السماح بها ، ولو اثمر السماح ، عن سائقين يتقون الله ، لقبلنا به ، الا انه السماح ، الذي يجعل كل سائق اخر ، يقود بجنون ، فلا تهمه اشارة ، ولا رادار ، ولايتراجع في صيف ولاشتاء.
يا..كل الاطفال الذين رحلوا ، في حوادث السير ، يايحيى يازيد ، ويا ايتها العنود ، وغيركم ، من اطفال نعرفهم ولانعرفهم ، أي اعتذار جماعي نقدمه لكم اليوم ، أي اسف يقف على رأس خمسة ملايين اردني في قراهم ومخيماتهم وبواديهم ومدنهم ، أي اعتذار كاف...لانجده اليوم ، حين يكون حادث السير مشابها لما يفعله المسدس ، وحين نبقى نتعامل معه باعتباره مجرد حادث ، وهو يقترب من حدود الجريمة المنظمة ، والقتل غير العمد.
كانت غضبة الناس ، هذه المرة ، ليست مجرد عاطفة ، بل ان الدمع دخل كل بيوت الناس ، والاب المكلوم على اطفاله يتحدث كيف ميز وجوه اطفاله ، بعد الحادث ، رائحة قلوبهم وحبهم وعشقهم لوالدهم ، صورهم المنقوشة على قلبه ، جعلته يميز اطفاله ، هذا الاب الصابر الكبير الواقف كأم قيس ، مرتفعا ، نسأله اليوم ، ان يجعل العنود ويحيى وزيد ، شهداء الجريمة ، سببا ، في وقف هذه المجازر ، التي ترتكب في بلدنا ، ففي غزة وبيروت وبغداد ، يقتل الناس ، بسهام الحروب والفتن ، ونحن يرحل الناس لدينا ، من صنع تهورنا وسكوتنا ، على وضع كهذا ، فلا نختلف عن المدن المبتلاة في الشرق العربي.
سلام..عليك ايتها العنود ، فخيلك ، الذي صهل غضبا ، لن نسمح بتبديد صوته ، وعلينا ان نصحو من الغفلة ، ونضع حدا لهذه الحوادث ، سلام..عليك ايتها العنود..وسلام منك الى ابنتي ساجدة.
m.tair@addustour.com.jo