الحجاوي يكتب: الصحافة الأردنية تتمرد على الحكومة
سمير حجاوي
12-11-2013 06:41 PM
كتب سمير الحجاوي: لأول مرة تقدم قوات الدرك على اقتحام مبنى جريدة الرأي الحكومية، مما يؤشر إلى عمق الازمة الصحفية والإعلامية الأردنية الغارقة في الأزمات والتردي المالي، ودخولها مرحلة يمكن ان يطلق عليها "بداية النهاية لعصر الصحافة الأردنية"، فجريدة العرب اليوم أعلنت افلاسها وتوقفت عن الصدور، وجريدة الدستور غارقة في الديون التي تجاوزت 12 مليون دولار، وجريدة الغد تعاني من صعوبات اقتصادية بدورها، وأخيرا دخلت جريدة الرأي الحكومية في اتون هذه الازمة الخانقة التي دفعت الصحفيين والعاملين فيها إلى تنفيذ اضراب يعتبر الاول من نوعه في الصحيفة التي كانت تعتبر "درة التاج للصحافة الأردنية"، للدور المهم الذي لعبته في الحياة السياسية، او كما وصفها الوزير الأردني السابق الدكتور صبري اربيحات على صفحته على الفيسبوك: "الرأي، وللمرة الاولى، تلد رأياً اخر..
. منذ اكثر من اربعة عقود، والرأي هي الرأى، تقدم خطاب الدولة وتحتل المواقع الاولى، يديرها الشباب (المخلصين) بصرف النظر عن الكفاءة، وبوضوح اكثر لم تكن الكفاءة المهنية او الشهادة الجامعيه او القدرة على الكتابة شرطا اساسيا او ثانويا لتكون مسؤولا في الرأي، ومع ذلك بقيت الرأي الصحيفه الأردنيه الاولى فهي سجل الموت، وصحيفة الاعلانات الحكوميه، ونافذة المحرر السياسي .. من الراى تنطلق الحملات الإعلامية على الدول وعلى الاشخاص، ولمحرري الصفحات الرئيسية تعطى تعليمات طمس الشخصيات التي لا تعجب الدوائر الأمنية".
ولذلك فان تمرد الصحفيين في جريدة الرأي "الحكومية" ظاهرة تستحق الدراسة، فهذه الصحيفة ليست حالة عابرة، رغم تحكم المخابرات الأردنية في مفاصلها، فهي مؤسسة من النوع الثقيل، وكثير من صحفييها ممن يسمع كلامهم بوضوح من قبل الملك، وأهم العاملين في إعلام ديوان الملك كانوا من صحفيي "الرأي" اصلا، إلى جانب بعض رؤساء الديوان السابقين والوزراء والمدراء، مثل مدير التلفزيون الحالي رمضان الرواشدة، ومدير وكالة الانباء الأردنية الحالي فيصل الشبول، والقائمة تطول.
اعتصام الصحفيين والعاملين في جريدة الرأي الذي بدأ قبل 38 يوما، تطور إلى اضراب شامل امس في خطوة تؤكد تصميهم على الحصول على مطالبهم الستة وهي: رحيل رئيس واعضاء مجلس الادارة كافة ومدير عام المؤسسة، فتح تحقيق فوري بمشروع المطبعة وشركة التوزيع، وكف يد الحكومة عن التدخل في الرأي، وإقرار علاوة خطورة المهنة للعاملين في المطابع، وتنفيذ كافة بنود الاتفاقية العمالية الموقعة عام 2011: بصرف راتب المكافأة السنوي فوراً وتثبيت موعد سنوي لصرفه في الربع الاول من كل عام والمباشرة الفورية بإعادة هيكلة رواتب العاملين في المؤسسة بموجب الاتفاقية، فتح ملف كتاب الاعمدة من حيث الرواتب وأسس التعيين وملف التعاقد مع كتاب ممن احيلوا إلى التقاعد وانهاء هذه العقود".
أحد هذه المطالب تحقق فعلا يوم امس اذ تمت اقالة مجلس الادارة بكامله وتعيين مجلس جديد برئاسة وزير الداخلية السابق مازن الساكت وهو الامر الذي رفضه الصحفيون الذين قاموا بطرده من مبنى الصحيفة والهتاف ضده وضد الحكومة التي طالبوا باسقاطها، في خطوة تصعيدية اضافية اذ انتقلت المطالب إلى اقالة حكومة عبد الله النسور التي يرفضها معظم الاردنيين، حيث عبر 65 في المائة من الأردنيين عن عدم قدرتها على القيام بمهامها والتضييق على معيشة الأردنيين ورفع الاسعار، حسب استطلاع لمركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية.
يمكن القول ان حكومة النسور تترنح، مع ان البعض يذهب إلى ان الملك الأردني سيحتفظ بها إلى حين اكمال مهمتها باتخاذ المزيد من قرارات رفع الاسعار او ما يسمى "التصحيح الاقتصادي"، وبعد ذلك التخلص منها، خاصة مع وجود بوادر لتمرد في مجلس النواب ضد هذه الحكومة.
الازمة في الأردن تتدحرج وتكبر يوما بعد يوم، وتمرد الصحفيون والعاملون في جريدة الرأي لن يمر مرور الكرام، خاصة بعد اقتحام قوات الدرك لمبنى الصحيفة مساء يوم الاربعاء الماضي في سابقة هي الاولى من نوعها في تاريخ الصحافة الأردنية، وهو ما دفع المحتجين إلى رفع سقف مطالبهم برحيل حكومة النسور اضافة إلى المطالب المعيشية وكف يد الحكومة عن التدخل بشؤون الصحيفة المالية والتحريرية وكشف ملفات الفساد والمحسوبية والتنفيعات والتعينات والشللية، ووفتح ملف مشروع المطبعة الفاشل الذي كبد الصحيفة "70 مليون دولار"، الامر الذي اثر على رواتب العاملين ومكافاتهم وزياداتهم السنوية.
من خبرتي في "الرأي" التي عملت فيها سابقا انها رقم يصعب كسره او تجاوزه، وان غالبية الصحفيين العاملين فيها من النوع "صعب المراس والتدجين"، فهم لا يحسبون على المعارضة، فلأول مرة تحجم "الرأي الحكومية" عن نشر أخبار رئيس الوزراء والحكومة، ولأول مرة تنضم نقابة الصحفيين لمطالبة كل الصحف الاخرى بحجب صحف الحكومة.
واذا كان الميت لا يعتبر ميتا في الأردن إلا اذا نشر نعيه في "الرأي"، فمن المؤكد ان الحكومة التي تحجب الرأي اخبارها ستسقط فهذا الحجب بمثابة "نعي صامت"، وهذا هو مصير حكومة النسور الاقل شعبية في تاريخ الحكومات الأردنية.
hijjawis@yahoo.com