قضية "الرأي" سرّ الدولة المفضوح
12-11-2013 12:44 PM
بات واضحاً أن قضية صحيفة الرأي لم تعد قضية عماليّة كما كانت في الأصل، ولا كما أرادتها الحكومة لتحتفظ بسرها بعيداً عن سماعة المعتصمين، بل أن كلمة السرّ في قضية الرأي ضاعت بين عائلات السياسة وأصحاب المناصب، ولا يستطيع حتى من فككها أن يجمع حروف الحلّ فيها بسهولة، وهي تحتاج إلى قرار أعلى من رئيس الوزراء الذي لم يكن معنياً إطلاقاً ومنذ البداية بأي حلّ ينصف الموظفين، ويفي بالعهد الحكومي الذي تكاتب عليه الزملاء قبل ثلاث سنوات مع ذراع الحكومة الاستثماري.
كان على رئيس الحكومة الذي بدأ عهده في الإدارة الأردنية مديراً لضريبة الدخل وعلى طاقمه ألا يتعامل مع القضية الأهم على أنها مجرد "زعبرات"، ويتذرع بأن الاتفاق كان مع من سبقوه، فهل هو رئيس حكومة أم زوج جديد لمطلقة سابقة ؟.. بل كان يكفيه بعض الاستشارات والأفكار لينزع فتيل الأزمة منذ بدايتها، لا أن يضع نفسه أمام الطابق المستور ليفضح تدخلات الحكومة بما لا يليق بالصحيفة وأبنائها، وتسلطها على أرزاق الشعب بقرارات تجويعية تعدت منطق هيكلة الأسعار وإنقاذ الدينار وضرب رأس البلد عرض الجدار.
الاسبوع الماضي قررت الحكومة إعادة شركة المتكاملة للنقل لأمانة عمان وكذلك قرر مجلس الأمانة بالقبول المشروط، والشركة عادت لحضن الأمانة تزفها علامات الاستفهام، بعد أن أصبحت خسائرها الرأسمالية 100% وذهب الدعم المالي المقدر بأكثر من ثلاثين مليون دينار الى طريق لا يعرفه كثيرون، والشركة اليوم لا تساوي أكثر من 4 ملايين دينار هي ثمن نصف اسطولها من الحافلات، ومع هذا وافقت الحكومة على شراء ديون الشركة من البنوك، وتحملت مبلغ 16 مليون دينار حصة الشريك الكويتي، وهي تعلم أن إنشاء شركة جديدة أفضل وأقل تكلفة بكثير من عشرات الملايين التي استفاد منها مجموعة أشخاص.
الحلول ممكنة إذا أرادت الحكومة ذلك وهي التي عابت على حكومات الخليج انها لم تف بوعودها المالية مثلا، مقترحات بسيطة قد تكون مفاتح حل ومنها:
أن تقوم الحكومة ممثلة بالضمان الاجتماعي بدفع مستحقات الموظفين الذين لا ذنب لهم في المشكلة المالية عند الإدارات السابقة، وأن تقوم برفع رأسمال المؤسسة وتعزيزها تجاريا، فلا يعقل أن يكلف مشروع المطبعة ما يقارب 40 مليون دينار ورأسمال الصحيفة لا يزال بحدود 10 ملايين دينار، ولتضخ فيها سيولة مالية وتعمل على تشغيلها على أسس أكثر تجارية، والاتفاق مع شركات الإعلان المسيطرة على السوق.
وأن تقوم الحكومة بشراء ديون الصحيفة مثلاً على المعلنين وغيرهم وتمنحها إعفاءات ضريبية مشروطة وتفكر بدعم مشروع المطابع على أسس تجارية وإنشاء مجمع مطابع للصحف والمطبوعات المدعومة من المؤسسات، وأن تختار أعضاء مجلس إدارة من ذوي الاختصاص اقتصاد، تسويق وعلى معرفة بحاجات السوق الصحفي ومهمات العاملين، وليكن أحدهم من موظفي الصحيفة الأساسييين، مما يرفد الصحيفة بخبرات ويجدد الدماء فيها كما يطالب أبناؤها، وتترك الصحفيين كي يتنفسوا حبر أقلامهم، ويفرحوا بأفكارهم ورؤاهم، وأن يكون لهم رأي خاص يدعم مسيرة البلد كل حسب مفهومه، فلا يمكن أن تطلب منهم أن يكونوا أشجارا مثمرة وأنتم ترمونهم وسط صحراء جافة لا مطر فيها ولا مفرّ.
مشكلة مجالس الإدارة السابقة والأخير منهم لم يكن صادقا ولا وصريحا، لقد كانوا يريدون الصحيفة محلا لبيع القهوة يدفع بالقدر الذي يبيع فيه، عدا عن أن المجلس و الحكومة لا ينظرون الى الرأي كصحيفة تقود إعلام الدولة، بل يريدونها مقهى للتنفيس وإعادة تدوير مصاريفها - حسب فهمي - ولذلك فإن ما حصل مع الرأي برأيي قد يقع مع غيرها إذا لم يتم فصل مجلس الإدارة عن التحرير إذا أردناها صحافة حرة، أو أن تتماهى الإدارة بمهنية ووعي مع التحرير إذا بقيت على أسس إعلام تجاري متقدم.
"الرأي" قالت اليوم : أنا هنا، وهي أفضل حالا رغم الأسى الذي يعتصر قلوب كوادرها، فهم بالعامية " مثل بالع الموس"، وهم يعلمون أن الأساس ليس في الاعتصام وهو ليس من ثقافة المؤسسات ولا طرد الضيوف أو حتى الأشخاص غير المرغوب فيهم، ولكن لم يترك المسؤولون أي خيار أمامهم، إلا فضح "الطابق الثالث "، وهزّ كرسي رئيس الحكومة كي يستيقظ من حلم عظمته الرئاسية، ولكنه استيقظ مفزوعا للأسف فتخبط في قراراته التي زادت الوضع سوءا، أوصل الأمر الى احتجاب صحيفة الأردن الأولى عن شمس اليوم الغائبة خجلا خلف الغيوم الرسمية.
يجب أن يتم التحرك فورا لإنهاء المشكلة، واختيار الأشخاص الأفضل لإدارة المجلس والأهم أن يعطوا الصلاحية لحل المشكلة ويخولوا بتلبية مطالب الموظفين والنأي بهم عن الصراعات الجانبية، فالأهم اليوم أن تعود الصحيفة للصدور وهي التي لم تغب عن دورها المناط بها منذ عقودها الأربعة، فصحيفة مثل الرأي يجب أن يعاد لها الألق، صحيفة وطن ودولة وشعب من مختلف مشاربه السياسية، وحاضنة الرأي والآراء الأخرى جميعا.
Royal430@hotmail.com