دولة القانون في خطاب العرش
د غازي أبو عرابي
11-11-2013 12:45 PM
جاء خطاب العرش الأخير بمناسبة افتتاح الدورة العادية لمجلس الأمة ليؤكد على بناء دولة القانون التي يجب أن يتفق أعمال وتصرفات كل سلطة من سلطاتها مع أحكام الدستور ومع أحكام القواعد القانونية النافذة من قوانين وأنظمة وتعليمات استناداً لمبدأ المشروعية.
وهذا ما يفسر تركيز الخطاب على تعديل قانوني أمن الدولة واستقلال القضاء باعتبارهما من القوانين التي لها تأثير مباشر على الحقوق والحريات العامة.
إذ بموجب قانون أمن الدولة يتم محاكمة الأشخاص المدنيين أمام محكمة عسكرية جميع أعضائها أو بعضهم من غير القضاة النظاميين، وهذا فيه اعتداء صارخ على مبدأ الفصل بين السلطات، فالسلطة القضائية ممثلة بالمحاكم النظامية هي المخولة دستورياً بالبت في كل القضايا المتعلقة بالأشخاص المدنيين، حيث وضع الدستور ضمانات للمحاكمة العادلة منها وجوب تحقيق المساواة في جميع الإجراءات أمام القضاء بين الخصوم وإن اختلفوا في العرق أو الدين أو اللغة وضمان حقوق الدفاع والتقاضي على درجتين والعلانية في الأحكام القضائية لضمان حق الجمهور في الاطلاع على كل ما يدور داخل المحاكم، ويكفل للرأي العام مراقبة القضاء، وهذا يبعث الثقة والطمأنينة في نفوس المتقاضين بعدالة القضاء وحث له على توخي الدقة والعناية في إحقاق الحق دون خشية أو خوف من أحد. هذه الضمانات في العمل القضائي لم يأخذ بها قانون امن الدولة الواجب التعديل.
لقد ضمن الدستور الأردني في المادة (97) منه استقلال القضاء، لكن ما جاء في الدستور عبارة عن قواعد كلية، أما التفاصيل يتناولها قانون استقلال القضاء المطلوب تعديله لكي يتضمن ضمانات حقيقية للقضاء تؤدي إلى تحصين السلطة القضائية من أية تدخل أو تأثير، وأن لا تكون مجرد ضمانات شكلية لا تنسجم مع المعايير الدولية في موضوع استقلال القضاء.
إذن التعديل المطلوب لا بد أن ينصب على وضع أسس ومعايير موضوعية لتشكيل مجلس قضائي قادر على تحصين القاضي من العزل والانتداب والإقالة وصون حقه في الترقية وتوفير الخدمات الاجتماعية كالتامين الصحي والتقاعد والإعفاء الجمركي وكل ما من شأنه صون منعة القاضي وصموده في مواجهة أية ضغوط أو إغراءات أو تدخلات أو تهديدات مباشرة كانت أو غير مباشرة.
الرقابة القضائية على أعمال وتصرفات أجهزة الدولة لا قيمة لها إلا إذا كان القضاء مستقلاً بحيث يكون قادراً على منع إساءة استعمال السلطة من أي جهة في الدولة وذلك بتطبيق صحيح للقانون على الجميع.
وهكذا فإن بناء دولة القانون ليس مجرد أفكار نظرية بحتة، بل نظرية سياسية دستورية قائمة على تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكومين من خلال إيجاد علاقة متوازنة تتم من خلال الحفاظ على الحقوق والحريات العامة للمحكومين وترسيخ مفهوم الطاعة للقانون، وهذا ما أكد عليه جلالة الملك في خطاب العرش عندما قال على جميع مكونات الدولة إنفاذ القانون دون تهاون أو محاباة.