مثل كهل يَنعم بتقاعد مريح , تَجلس اسرائيل على طاولة المقهى الدولي بانتظار النادل الخدوم لتلبية طلباتها , بعد ان نجح الربيع العربي في توفير الظروف المثالية لدولة الكيان العبري لتحقيق رغباتها من تدميرالكيماوي السوري الى تصفية النووي الايراني الخاضع لصفقة تاريخية حسب تسريبات سياسية وسرعة رحيل وزير الخارجية الامريكي جون كيري الى جنيف ونهاية بإضعاف مصر وكسر هيبة الدولة فيها , الدولة المشغولة كل يوم بإطفاء حرائق صغيرة تشتعل بدوافع محكومة بين قوسي الشوفينية التنظيمية ونكران الاخطاء وتمزيق سوريا من الداخل .
اسرائيل تجلس مسترخية الآن بانتظار ما ستسفر عنه المواجهات الكونية على ارض الاقليم العربي وجواره الاوسطي , سواء استقر على تعميق الهيمنة الامريكية او بزوغ قطب جديد او عدة اقطاب كونية , كما تقول البشائر من تفاعلات تدمير الكيماوي السوري وصفقة النووي الايراني , فقد نجح الملف السوري في رفع شهية عواصم كثيرة للعب دور القطب “ بكين , موسكو “ وكل دولة يسير في فلكها دول متعددة .
الاسترخاء الاسرائيلي واضح ولا يحتاج الى بسيط عناء , فهي لا تنتظر تنازلات من احد وتسير نحو تعميق وجودها على المساحات الفلسطينية المطلوبة من القدس والضفة , فالدول تتغير والانظمة كذلك وسط استطالة قامة اسرائيل ووجودها , مكتفية بمراقبة المشهد عن كثب حسب نظرية جنرالتها القائلة لرئيس الوزراء نتنياهو “ راقب وانتظر “ وحاول الاحتفاظ بالمصالح في موقع آمن ومستقر وعدم الوقوع في دائرة المواجهات , فلا أحد يضع اسرائيل في دائرة المواجهة .
مصر تحارب الآن ارهابا منظما وامامها وقت لبسط سيطرتها وفرض هيبتها على المساحات المترامية الاطراف , وسوريا سيخرج اسدها منهكا من الاحتراب الداخلي , وبالتالي فالتعامل مع اسد منهك ودون انياب افضل من حسابات تفتيت سوريا او تقسيمها الى دويلات وطوائف , والانتظار او الابصار كلها معلقة على نتائج الصفقة الايرانية مع واشنطن لاكتمال حلقات الراحة الاسرائيلية وانتاج شرق اوسط حسب قياسات البروفيل الاسرائيلي .
اسرئيل لم تشهد احداثا شارعية , فلا مطالب بدستور في كيان لا يوجد فيه دستور حد اللحظة , ولا مظاهرات لتحقيق مطالب حياتية او رفع اجور او تحسين معيشة بعد ان توافقت مكونات متباعدة واعراق مختلفة على نظام عام بلا دستور واعراف برلمانية وسياسية حفرت عميقا في المجتمع العبري , عكس العالم العربي الذي ما زال حائرا في الاتفاق على تقليد سياسي او برلماني واحد , رغم الحديث الطويل عن الشعب العربي الواحد والقومية الواحدة .
الوضع الاسرائيلي يبدو مثاليا لاول مرة منذ زرع الكيان في الجسد العربي الذي بدأ في التماهي مع الكيان الغريب على حساب اعضائه واوصاله الحيوية , دون التفات الى المخاطر المحدقة , ودون ادنى التفات الى ضروة تدارك الحالة المنهارة للاوضاع العربية بعد الربيع العربي الذي اوصل الاقطار العربية الى حافة الهاوية .
لن تشهد اسرائيل ثورة على الداخل ولم تعد دولة تعيش على الازمات وعلى تسويق المخاطر , وسنبقى كأمة نعيش طويلا وسط حالة ارتباك وتعثر , ونجترح الازمات لابعاد المخاطر , اي ان ثمة انقلابا في الحالة العربية وخطورتها ان بعض الدول العربية ستلعب دور اسرائيل السابق بإنتاج ازمات في محيطها للمحافظة على البقاء .
(الدستور)