تنازلات إيرانية تمهد لاتفاق بشأن مشروعها النووي
نصوح المجالي
11-11-2013 02:09 AM
لم يأت من فراغ التغيير اللافت في موقف ايران في مباحثاتها مع الدول الخمس زائد واحد واستعدادها لتقديم تنازلات بشأن مشروعها النووي كان تقديمها في عهد احمدي نجاد مستحيلاً, بل من معاناة اقتصادية طحنت اقتصاد ايران واضرت بالنقد الايراني نتيجة للحصار المضروب على تصدير النفط وعلى التعاون التقني والعلمي مع الدولة الفارسية.
لقد كان التغيير في القيادة الايرانية واقصاء رموز التيار المتشدد في هذه المرحلة نابعاً من الحاجة لدرء الخطر الذي يتهدد الاقتصاد الايراني والذي ان استمر قد يدفع الى ربيع فارسي قد يعمم الفوضى في الدولة الايرانية.
لا مناص من رفع الحصار وتطبيع العلاقات مع دول الغرب من خلال تقديم تنازلات جوهرية في البرنامج النووي الايراني دون التنازل عن حق ايران في الحصول على الدورة الكاملة في التكنولوجيا النووية وتقديم ضمانات بما في ذلك الخضوع للتفتيش الدولي المستمر لتبديد مخاوف دول الغرب من احتمال تطوير ايران اسلحة نووية.
في مباحثات جنيف قدمت ايران تنازلات اكثر مما كان متوقعاً في هذه المرحلة المبكرة من المحادثات اذ تعهدت بعدم تطوير اسلحة نووية واخضاع مفاعلاتها للتفتيش الدولي والالتزام بمستوى منخفض من تخصيب اليورانيوم بحيث لا يخدم سوى الاغراض السلمية والتنازل عن كمية من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% في مفاعل بوشهر.
وبالرغم من وجود مخاوف وشكوك لدى دول الغرب وخصوصاً فرنسا والطبيعة المعقدة للمفاوضات وتفاصيلها الا ان الطريق اصبحت ممهدة لاتفاق يؤدي الى تطبيع علاقات ايران مع الولايات المتحدة وحلفائها في الغرب كما ان هناك دولاً اوروبية متحمسة لاعادة العلاقات مع ايران للافادة من الغاز الايراني والتخلص من الاحتكار الروسي لتجارة الغاز في اوروبا.
اسرائيل من جانبها ما زالت تشكك في نوايا ايران، لان اي اتفاق يتم بينها ودول الغرب سينزع من يد اسرائيل ذريعة الخطر النووي الايراني التي تلوح بها، وتبتز بها دول الغرب وكذلك الادعاء بان حصول ايران على السلاح النووي اخطر على المنطقة والعالم من الصراع العربي الاسرائيلي.
الدول العربية تراقب بقلق رغبة الدول الغربية انهاء الجفاء والقطيعة التي استمرت ثلاثين عاما بينها وبين ايران، خاصة وانها تأتي في ذروة الصراع في سوريا الذي تلعب ايران فيه دورا رئيسيا من خلال حلفائها في المنطقة، عدا عن الدور الارهابي الذي ترعاه ايران، في كل من سوريا ولبنان والعراق من خلال الميليشيات التابعة لها والذي يشكل اختراقا لامن واستقرار المنطقة.
فقد بدت الولايات المتحدة مهتمة بمصالحها ومصالح اسرائيل دون اي التفات لمصالح حلفائها العرب فالاتفاق الذي ابرمته سوريا مع الامم المتحدة برعاية روسية ايرانية لنزع السلاح الكيماوي حوّل نظام الرئيس الاسد لاعباً دوليا، يُزجى اليه الثناء، بدل ان يعاقب نظامه على ما ارتكبه من جرائم بحقوق الانسان وحقوق الشعب السوري.
والاتفاق بين ايران ودول الخمسة زائد واحد الذي اصبح وشيكا يأتي بمنأى عن الدور الذي تلعبه ايران في تمزيق المنطقة، وإثارة الفتن في ساحة حلفاء الغرب في المنطقة العربية.
كأننا نرى مجددا تحالفا ايرانيا اميركيا او تعاونا كما حدث عند احتلال كل من افغانستان والعراق حيث خدمت السياسة الاميركية، احلال النفوذ الشيعي الايراني مكان القوى السنية في كل من العراق وافغانستان ويُخشى ان يتكرر الامر في الازمة السورية، حيث يقترن عزوف دول الغرب عن التدخل المباشر بالازمة السورية بسكوت هذه الدول على التدخل الايراني العسكري المباشر في سوريا من خلال خبراء واسلحة وميليشيات ايرانية.
لقد اعلنت السعودية ودول الخليج قلقها مما يجري وانها تراقب نتائج المباحثات مع ايران مما يخلق شرخاً بين الولايات المتحدة ودول الخليج اذا تركت يد ايران طليقة في سوريا والمنطقة العربية، او اذا تم تجاهل مصالح العرب في المنطقة، كما ان دول الخليج اعربت عن قلقها من مخاطر وجود مفاعلات نووية غير آمنة على ضفاف الخليج وخاصة في بوشهر الامر الذي يهدد صناعة النفط والمصالح الدولية في الخليج.
في الحقيقة، ايران كما فعلت سورية، مضطرة لتقديم تنازلات، في جانب من أسباب قوتها، حتى تحافظ على عناصر قوتها الاخرى، فاقتصادها يتعرض للخطر، كما ان المحور السياسي الذي اقامته لشق العالم العربي، قد يتعرض للانهيار، فاختارت ايران التريث في مشروعها النووي، لانقاذ ما هو أهم، بالنسبة اليها.
المؤسف، ان العالم الغربي الذي تُفزعه المشاريع النووية في المنطقة، يبتلع لسانه ويتجاهل وجود دولة صهيونية نووية تمتلك ترسانة من مائتين وخمسين رأساً نووياً وتشكل تهديداً حقيقياً لأمن وسلامة كافة دول المنطقة، والمصالح الدولية فيها، ومع ذلك، تتجاهل دول الغرب مطالب دول المنطقة بضرورة نزع السلاح النووي من الشرق الأوسط، واعتباره منطقة خالية من السلاح النووي.
(الرأي)