في هذه الأيام التي يختلط فيها الحابل بالنابل في مناخ مغبر غيومه سود ونذره ضبابية، لا بد من خارطة طريق قومية تجمع النفوس. ندق أبواب التاريخ نستقريء من صفحاتها العبر، ونتلمس فيها دروس الوطنية الصادقة التي توحد الهمم والقلوب.
نقرأ في كتاب (دور غير المسلمين السياسي والاقتصادي والاجتماعي في ظل الدولة الإسلامية) لممدوح ابو حسان ومحمود عبيدات قصة معاوية بن أبي سفيان، مؤسس الدولة الأموية، ونعجب من رؤيته النفاذة قبل 1500 عام في مواجهة نذر شبيهة بما يعكر صفو يومنا هذا.
يقول المؤلفان: «كانت معاملة غير المسلمين تنطوي في كثير من الأحيان على ما يشير الى مساواتهم التامة بالمسلمين في كافة الحقوق، ونستدل على صحة هذا الرأي من انه لما قام مسلم بالاعتداء على جاره اليهودي، استدعاه الخليفة معاوية بن أبي سفيان وقال له: «نحن أخوة في عبادة الله، لا فرق بين مسلم وذمي في الحقوق والواجبات، الدين لله والأرض وما عليها للجميع». ثم صالح اليهودي وطيب خاطره وقال للمسلم: «ألم تسمع بقول رسول الله الذي قال للمسلمين- من ظلم معاهدا فأنا حجيجه» (ص 125).
ويروي سليمان الموسى في كتابه (الحركة العربية: سيرة المرحلة الأولى للنهضة العربية 1908-1924)، ان فيصل بن الحسين بعد ان حررت قوات الثورة العربية سوريا من حكامها العثمانيين الأتراك ركز في خطابه الذي ألقاه في حلب يوم 11 تشرين الثاني 1918 «على ضرورة الوحدة الوطنية باسم القومية معلنا أن «العرب هم عرب قبل موسى وعيسى ومحمد»، ومحذرا من إلقاء بذور الفتن بين المواطنين باسم الدين مهددا بأشد العقاب كل من يقدم على ذلك.... وقد اختط فيصل خطة التسامح لتأليف قلوب المواطنين في سورية، فلم يقتصر في إسناد المناصب العالية في حكومته على أولئك الذين قاتلوا معه بل أراد ان يستعين بجميع الأشخاص الأكفاء بغض النظر عن مواقفهم السابقة» (ص 462).
هاتان قصتان بليغتان لقائدين عظيمين، الأولى من تاريخنا القديم الذي أسس قادته إمبراطورية عربية امتدت من الصين الى الأندلس، والثانية من تاريخنا الحديث لمشروع استرداد وطن وشعب سلبت كرامته لمئات السنين مبشرا بنهضة عربية واعدة.. فهل نتعظ؟