كتائب الإعلام الأردني «عود على بدء»
بلال حسن التل
10-11-2013 02:13 AM
عندما دعوت في تسعينات القرن الماضي إلى تشكيل كتائب الإعلام الأردني، استقبل البعض دعوتي بكثير من الاستهجان والاستغراب، على اعتبار أنني أدعو إلى الحد من الحريات الإعلامية، وأنا على يقين أن جزءًا من هؤلاء توقفوا عند العنوان ولم يقرأوا المقال الذي كانت خلاصته تؤكد على أن الإعلام صار من المكونات الأساسية لقوة الدول، بل إن بعض الدول تستمد جلّ قوتها وحضورها في محيطها من قوة إعلامها.
وما زلنا في حديثنا عن الإعلام وتأثيره نشير إلى أن سر قوة الغرب وتأثيره على مجريات الأحداث وسيطرته على الرأي العام، هو امتلاكه لوكالات الأنباء الكبرى بكل ما لديها من مصادر معلومات، ومن ثم قدرة على التأثير على الرأي العام، وإخفاء ما تريد من حقائق، وترويج ما تريد من أكاذيب، ولكن بمهارة وتقنية عالية.
لم تمر سنوات طويلة بعد دعوتي تلك لبناء كتائب الإعلام الأردني كجزء أساس من بناء قوة الدولة الأردنية، جاءت التطورات في المنطقة لتثبت أثر الإعلام فيما يجري من أحداث. ففي حرب الخليج الثانية، كان الإعلاميون الغربيون ينتقلون بدبابات الجيوش، بعد ان مهدوا الأرضية النفسية والسياسية لهذه الجيوش.. وفي الوقت الذي كانت فيه هذه الجيوش تنقل أنصارها ومؤيّديها من الإعلاميين بدباباتها، ومصفحاتها ومروحياتها، كانت تقتل خصومها من الإعلاميين، سواء بقصف الطائرات أو بالقنص، وبغير ذلك من وسائل القتل. ثم جاء ما يسمى كذبًا وزورًا بأحداث الربيع العربي، لتؤكد أن الإعلام سلاح رئيس في معارك الدول وحروبها السياسية والعسكرية، وانه لا حيادية للإعلام عندما يخوض مالكه حربًا مع الغير. مما يؤكد ان الإعلام صار من أسلحة الدول، ليس في المعارك السياسية بل وفي المعارك العسكرية أيضًا، والأمثلة الدالة على أن الإعلام جزء رئيس من استراتيجيات الدول وأسلحتها كثيرة، وفي هذا المجال يبرز الكيان الصهيوني في فلسطين الذي ينظر إليه البعض على انه واحة الديموقراطية في المنطقة، رغم ان كل كلمة من كلمات إعلام هذا الكيان تمر عبر الرقيب العسكري. بل لا تكاد تخلو دولة من دول العالم من آلية تضبط بها أداء إعلامها باعتباره جزءًا من أسلحتها ومن منظومة أمنها الناعم.
من هذه الرؤية دعوت في ذلك الحين، وأجدد الدعوة الآن لإعادة بناء كتائب الإعلام الأردني، وتوفير كل الإمكانيات المادية والفنية وقبلهما القوى البشرية المؤهلة والمؤمنة برسالة ودور الدولة الأردنية. أقول: إعادة بناء.. لأننا في الأردن كنا في خمسينات وستينات القرن الماضي نمتلك كتيبة إعلامية مميزة، خاضت كل معارك الأردن السياسية باقتدار كبير، رغم قلة عددها وشح ذات يدها في حينها، لكنها كانت تمتلك عقيدة إعلامية صلبة مؤمنة بالدولة الأردنية ودورها، فكما أن للجيوش عقيدتها القتالية، فإن للإعلام عقيدته الوطنية، فالإعلامي الذي لا يملك رأيًا مبنياً على عقيدة، لا يمكنه أن يدافع عن قضية ووطن، بل يميل حيث تميل الريح، ويصطف حيث مصلحته الشخصية.. من هنا أيضاً قلنا غير مرة: إنه لا يجوز التعامل مع وسائل الإعلام المختلفة مقروءة أو مسموعة، أو مرئية، على أنها مجرد وظيفة، فمثلما لا يقبل في صفوف الجيوش والأجهزة الأمنية من يشك بولائه للوطن. فكذلك الأمر في الأجهزة الإعلامية، فالإعلامي ليس مجرد موظف، ولكنه مقاتل بالقلم والكلمة والصورة، وهذا لا يعني تكميم الأفواه وحجر الآراء وقولبتها، بل يعني التعددية في إطار مرجعية وطنية تحكمها معايير المصلحة العليا للوطن، التي يحددها العقل الجمعي للدولة، وليس الأفراد؛ فحرية الرأي لا تعني بحال من الأحوال الفوضى، ولا التفلت من معايير المصلحة الوطنية التي يحددها العقل الجمعي للدولة، والتي من حقها أن تمتلك وسائل إعلام معبرة عنها، مثلما أن من حق الأفراد والأحزاب والهيئات امتلاك وسائلهم الإعلامية.. على ان يحتكم الجميع للمصلحة الوطنية، والعقل الجمعي للدولة.
مرة أخرى؛ وبعد ان أثبتت الأحداث في العالم عمومًا وفي منطقتنا على وجه الخصوص مركزية الإعلام كمكوّن رئيس من مكونات قوة الدولة، نجدد الدعوة لإعادة بناء كتائب الإعلام الأردني، خاصة وإننا نمتلك كفاءات إعلامية عالية مؤمنة بالدولة وبدورها. وهؤلاء هم القادرون على تبني رسالتها، وإيصالها للناس، والدفاع عنها في الأزمات، ودفع ثمن مواقفهم، مقابل تحطيم الهجمات على الوطن بأقلامهم وكاميراتهم وأصواتهم دون الخوف من اتهامهم بأنهم اشكاليون، وانهم أبناء الدولة، فلا يعيب المرء انتماؤه لدولته ودفاعه عنها. لذا لا يجوز بحال من الأحوال ان يعتمد الإعلام الأردني على موظفي العلاقات العامة الذين يميلون حيث تميل الريح، ويتخلون عن الوطن إذا جدَّ الجدّ. كما لا يجوز ان يظل الإعلامي في حالة عوز، ولا المؤسسات الإعلامية بدون موازنات تعينها على القيام بدورها وتطوير أدواتها.
وعلى ذكر رسالة الدولة، نحب ان نلفت النظر إلى انه خلال السنوات الماضية كثر الحديث عن ضرورة تطوير الإعلام الأردني، وقد انصبَّ جلّ هذا الحديث على تطوير الأجهزة والمعدات والمستوى المعيشي للإعلاميين، وهذا هام لكن الأهم منه تطوير مضامين الإعلام الأردني، ليكون قادرًا على الإقناع، قادرًا على بناء رأي عام حول قضايانا الوطنية، معبرًا عن عقيدة إعلامية تعكس إرادة دولة وفلسفة مجتمع.
(الرأي)