في "صناعة" المتناقضات .. وأزمة الأخلاق!
د. وليد خالد ابو دلبوح
09-11-2013 03:50 PM
في زمن المتناقضات ... وأزمة الرجال والأخلاق معا!
تشيب السياسة واطروحات الدكتوراه عن بكرة أبيها اليوم... وتتساقط أمامي .... تساقط قطع رؤوس الدومينوز ... تباعا مع تساقط الرؤوس المصطنعة من رموزنا الوطنيه المستحدثه ... رمزا رمزا ... أرهقنا مسلسل انقلاب القلم على صاحب القلم ... وصاحب القلم على القلم ... وخيانة اللسان ل صاحب اللسان ... نتابع مسلسل "الخيانه" لأحدهما على الاخر كل يوم ... مسلسل خيانة الذات ... ومسرحية الانقلاب على النفس ... لا نبحث هنا عن رمز وطني ... فهذا للاسف أصبح من المحال اليوم ... ولكن نبحث على الأقل ... علنا نجد رجل "ذو خلق" ... متصالح مع نفسه وذاته ... والاهم من ذلك ... مع لسانه ويراعه... مهما اختلف معنا واختلفنا معه في الفكر والرأي!
أخط هذه السطور وانا قابض على يراعي من منحره ... من الوريد الى الوريد ... قابض على جمر يتحرك... اذ روعني وقلمي مواقف امعّة الرجال والاقلام معا ... يكاد أحدنا لا يثق بالاخر ... ينظرني في كل حرف نخطه معا ... وانا أنظره ... من منّا يثق بالاخر؟ ... من منّا يخون الاخر؟ ... وها أنا لا زال قابض على يراعي ومن منحره ... وكأن كلانا يتجمل للاخر بابتسامة صفراء.... نطالع بعضنا البعض بحذر شديد ا!!
لازلت أصفق "لربيعنا العربي" لشيء واحد لا أكثر ... كونه استطاع تعرية انفسنا ... وعرّفنا من وأين نحن من قيمنا ومن ذاتنا وأخلاقنا... يكفيه انه بيّن لنا فجوة الاخلاقيات التي نعيشها مع انفسنا ... ويكفيه ان بين لنا الفجوة التي في داخلنا ... وكذلك الفجوة التي تفصل ما بينا وبين عامة الناس ... اذ تبين في المحصلة انها ... تفوق ما بينها وبين الحكومات .. وبكثير!!
الأمه جسد فكري .... أكثر منه جسد اجتماعي ... سياز !!
أذكر الأختلاف في الرأي بين جان جاك روسو و مونتسيكو يوما في شأن مفهوم السيادة الوطنيه ... ولكن لم أذكر أبدا أن أحدهما تبين لاحقا أنه انقلب على نفسه ... وأذكر أيضا أن عارض سياز في اجتهاده روسو في مفهوم الأمه ... ولكن لم أسمع أن أحدهما تبين لاحقا خارج الأمه ... واستسلم للواقع من أول هزة سياسية ... وأصبح من "الخوارج"!
أزمة الثقة هي بالاساس أزمة أخلاق ... وفجوة الثقة ... هي في الاساس فجوة في الاخلاقيات .. لا أعرف ماذا يحصل في الساحة الاردنية اليوم ... عالم من المتناقضات يعشعش في أبجديات هوياتنا ... هل هذه "المتناقضات" للجسد الواحد تدخل في باب الصناعة والمؤامرة ... وذلك حتى لا أستطيع أنا كأردني أن أصفق لأحد من أبناء جلدتنا ... أم انها نتاج تربيه متجذّرة في جيناتنا منذ صرخة الوضع ...
لا أستغرب طبيعة نتائج الطلبه في استطلاع أرائهم عن الرمز الوطني المفضل لديهم ... اذ تبين ان ثلث الاوراق كانت بيضاء ... لا تسر بعض الناظرين!! عن أي تربيه ... وعن أي وطنيه ... وعن اي تربية وطنيه نتحدث اليوم؟ ماذا اعددنا للشباب الصاعد من نماذج في القدوة والقيادة لهم اليوم؟! ولمصلحة من مكافحة صناعة مثل هذه الرموز اليوم؟
الاخلاق أهم بكثير!
أزمتنا الحقيقيه اليوم ... ليست المديونيه مهما بلغ حجمها .... ولا في ديموقرطيه مهما وصل حدها ... ولا الحريه مهما بلغ سقفها ... مشكلتنا اليوم أخلاقيه بحت ... أخلاقيه حتى النخاع ... ليس لها علاقه بهذا الفريق أو ذاك ... أنه علاقه الانسان مع ذاته ... وتصالحة مع نفسه ومبادئه.
ومن هنا, يجب اعادة صناعة الانسان الاردني اليوم ومنذ الصغر ... وان لا ننتظر ماذا يحدث هنا وهناك لنحدد طريقه وتوجهه ... اذا اردنا فعلا ان نكون "غير"! تصالح الانسان مع ذاته على أسس اخلاقيه ... يصب في المحصلة في الأمن القومي ... والأمن الانساني ... والأمن الاقتصادي ... والأمن البيئي! حصن الاردني اليوم يتمثل بتعزيز الثقة في نفسه وفي فكره وابداعه ... حتى يرتقي بنفسه الى مرحلة ابعد ... مرحلة النبوغ ... مرحلة التصالح مع الذات .. ومن هنا فقط تؤسس صناعة الانتماء الحقيقي والايجابي ... وهذه تقافه تُجبل على مدى الاجيال لبلوغها ... فلنبدأ من اليوم!
الخاتمة: نحو اعادة صناعة ثقافة من جديد .. ولنبدأ اولا بمكافحة الكذب!
عندهما تسقط القيم والاخلاق ... عندها تختلط الالوان وتتشابه الرجال والأقزام .... ولا نعرف "المعارض" من "الموالي" ... وا"لموالي" من "لمعارض" ... و"الحراكي" من "المعارض" و"المعارض" من "الحراكي" ... ليس بسبب تناقضهم مع انفسهم فحسب ... ولكن بسبب ضمور القيم الاخلاقيه التي ادت الى ذالك التناقض والتنافر .... اما الشارع المتخبط التائه ... فاتضح ليس له علاقه لا بالحراك ولا بالمعارضه ولا "بالموالاة" ... يشق طريقه كل يوم ... وكأن حاله يقول ... مالي ومال هؤلاء.. مالي ومال للسياسة!
فكيف لنا ان نتكلم عن الاصلاح وسلاحنا الابتزاز والكذب ... وكيف لنا التحدث في الحريات ولغتنا المرواغه والرياء .. وكيف لنا نتصالح مع التكنولوجيا والانفتاح ... ونحن متخاصمين مع انفسنا ومنغلقين على ذاتنا؟! ومن هنا لا يهمنا جباية الرقم ... بل يهمنا صناعة الرجل ... لان الرقم يتبع الرجل ... والعكس ليس بالصحيح .. كم كان عندنا من الارقام ... وذهبت في هباء منثور ... في زمن ... حلكة الاخلاق وعتمة الرجال!