في جلسة جانبية، على هامش إحدى اجتماعات دورة سابقة للجمعية العامة للأمم المتحدة، جمعتني مع دبلوماسي ياباني، جرى حديث عميق حول الأوضاع الدولية التي كان يمر بها العالم يومها، سمعت فيه العجب، حين استعرض الدبلوماسي الياباني، بكل فخر واعتزاز، تاريخ بلاده. ثم عرّج على القيم والمبادئ والمُثُل التي تمتلئ بها عقول أهله وافئدتهم، والتي لا تكاد تغادر مطارح الإفتداء والتضحية.
وكان من المفجع أنْ طرح هذا الدبلوماسي عليّ سؤالاً محيّراً أكثر من كونه مستفزّاً تمحور حول استفساره عن سبب ذلك النكران الذي يلمحه من قِبَل العرب بشكل عام، والاردنيين بشكل خاص لعظمة أمتهم، وتساءل لماذا لا تَعْجبون من عجزها عن استثمار إمكاناتها وطاقاتها في سبيل بناء وجودها وحضورها على الساحة الإقليمية والدوليّة.
وفي تفسيره لذلك، قال لأنكم في الأردن تجهلون تاريخ بلدكم، فغالباً ما تذهبون إلى الشتم والإنكار، وسرعان ما تتحولون إلى «أفراد» إذا ما واجهتم أزمة، وتنسون أنكم مواطنون في هذا البلد.
تذكرت كل ذلك وأنا أقرأ بيان مجلس شورى جماعة الأخوان المسلمين في الأردن الذي صدر يوم الخميس 31/ 10/ 2013، والذي صَوَّرنا بأننا بلد منهار. فالأمن، حسب رؤياهم، هو جهاز جائر، همّه، فقط، الزّج بالنّاس «الأبرياء» في السجون، دون ذنب ارتكبوه، أو خطيئة اقترفوها.
أما الإصلاحات فقد أنكرها البيان، رغم أن في ذلك جحوداً بيّناً لكل الجهود التي يقودها جلالة الملك، والتي شهد لها العالم، وخاصة دوله المتحضرة. فهل من المعقول أن نلعن إجراءاتنا بهذا الصّلف؟
والأخطر من ذلك كلّه، اتهام النظام السياسي الأردني بأنه ألعوبة في يد الدول الإقليمية والعالميّة، والقول بأن جميع معالجاتنا لأمورنا الداخلية ما هي إلى ترجمة لإرادات الخارج، رغم أن ذلك يَحْمل ما يحمله من إسفاف وسفه. وهنا يتأكد الناس أن أعضاء هذه الجماعة لا يقرأون التاريخ، ولا يطلّعون على مجريات الأمور.
فهم، بالتأكيد، يتجاهلون، عامدين، ما عاناه الأردن من مصائب وصعوبات وتحديات ومؤامرات، فبدلاً من أن يقاوموها نراهم يروّجون لها، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك عندما راحوا يشجّعون الحاقدين على الإساءة للبلد، وبدا ذلك واضحاً عندما رحلوا إلى التنظيمات الدولية يطلبون منها التدخل المباشر في شؤون الأردن.
ويستمر البيان بالمطالبة بالإنفراج الوطني، وهنا نسأل، من الذين أدخلونا في التأزم؟ ومن الذين أدخلونا في مشكلات غير معقولة؟ ومن الذين «دهوروا» التوافقات الوطنية وحاولوا قتلها، السلطة أم الإخوان؟
ثم يدخل البيان في حالة من التناقض عندما أراد للأردن أن يتدخل، صراحة، في شؤون الآخرين، وذلك استجابة إلى المطالب غير المعقولة، التي هدفها فقط حماية أنفسهم (الأخوان المسلمون) من حالة الرفض التي أبداها الآخرون والذين كانوا معهم، لسياساتهم التي تجاوزت، في كثير من مفاصلها، حد المنطق والقانون والعقل.
وهكذا فقد جاء هذا البيان، للأسف، فاقداً «للبيان»، ولما يراه أهل النهي والقلب، بعد أن رأوه يتحدث عن كل شيء الا عن مصلحة البلد وسلامته وأمنه واستقراره.
(الرأي)