قميص أبو تريكة .. حبذا نفحة من جنون
سامر حيدر المجالي
28-01-2008 02:00 AM
" تعاطفا مع غزة " .. قد يُكلِّف هذا الشعار لاعب المنتخب المصري محمد أبو تريكة الإيقاف ومنعَهُ من المشاركة في بقية مباريات منتخب بلاده في بطولة كأس الأمم الإفريقية 2008 في غانا ، بدعوى أن قوانين الاتحاد الدولي لكرة القدم تحظر إقحام السياسة في المنافسات الرياضية . علما بأن الاتحاد الدولي لم يتخذ إجراء من أي نوع بحق احد اللاعبين الغانيين في بطولة كأس العالم 2006 ، عندما قام هذا اللاعب برفع علم إسرائيل أمام إحدى الكاميرات عقب فوز منتخب بلاده على المنتخب التشيكي خلال منافسات البطولة .الرياضة تتنفس سياسة ، هذا هو واقع الحال الذي ما زال مستمرا منذ أمد بعيد ، فقد قاطع الأمريكان دورة الألعاب الاولمبية في موسكو عام 1980 فرد السوفيات بمقاطعة الدورة التالية في لوس انجلوس عام 1984 ، ونحن نذكر جرأة اللاعب الهولندي رود خوليت الذي أهدى فوزه بجائزة الحذاء الذهبي عام 1988 إلى المناضل الجنوب إفريقي نيلسون مانديلا الذي كان ما يزال قابعا في غياهب السجن العنصري في ذلك الوقت ، ولعل أقدم صورة تتداولها وكالات الأنباء بهذا الخصوص هي صورة موسوليني الذي رقص طربا عقب فوز منتخب بلاده بكأس العالم لكرة القدم عام 1934 في روما ، تعبيرا عن سروره وغبطته بالانجاز الايطالي الذي كان الهدف منه الترويج للفاشية وحشد التأييد لها .
المهم في الموضوع ليس سياسة الكيل بمكيالين فقد تعودنا على قلة الهيبة ، ولن يكون لجرح من هذا النوع ألم يذكر ما دامت مساحة أجسادنا قد امتلأت قروحا متجددا نزفها كل يوم . فللحديث تجليات كثيرة يستفزها الخيبة من السياسة وأهلها ورداءة الحال التي أفضت إلى ما نعانيه من خَوَر وقلة حيلة أمام جريمة كبرى من جرائم الصهاينة المستمرة .
الرياضيون يعبرون عن نبض الشعوب ويقولون ما لا يستطيع أعتى السياسيين أن يقوله إلا تلميحا لا تصريحا بعد انتقاء الألفاظ وإدخالها في ماكينة الفلترة الدبلوماسية ، ويطرحون شعارات غابت عن برامج شريحة كبرى من الكتاب والمثقفين الذين أتموا مهمتهم الإصلاحية في أرض الكنانة ولم يعد هناك موضوع يشغلهم إلا موضوع الزبيبة وانتشار ظاهرة الحجاب في الشارع المصري . الرياضيون بل واحد منهم يتحدث بالنيابة عنا في خطوة قد تكلفه أكثر من مجرد الإيقاف فتقضي على مستقبله الرياضي كله .
قاتلك الله أيها الزمن البشع فقد أوديت بنا وما تركت لنا من مجال للترحم على يوم يمر من أيامك ، عالم مضطرب لا يعرف غير القتل والذبح والسواطير والمناجل ، من كينيا إلى الصومال ومن بغداد إلى بيروت ، وفي ثرى الطاهرة المباركة فلسطين ، نعيش زمن اللاعقل الذي تغدو كلمة الحق فيه جنونا وعتها ، أريد أن أكون أكثر جنونا من محمد أبو تريكة ، أريد أن اصب لعناتي على دولة إسرائيل وجيوش بوش وأذناب الأمريكان في العراق ، أريد أن أعلن رفضي للعولمة ومقتي لخارطة الطريق واحتقاري لاوباما واشمئزازي من هيلاري كلينتون وكرهي لتوني بلير ، وعدائي للدانمرك وكفري بكل ما يُطرَحُ من ادعاءات ديمقراطية ومواثيق حقوق إنسان ، أريد أن أمعن في الجنون وأرفض بل وأقهقه استهتارا بكل الراكضين وراء السلام المزعوم والطامحين بمستقبل آمن في فم التمساح المتضور جوعا وجنونا . أريد أن أسبح ولو لمرة واحدة بعكس التيار فأقول :
حَدِّثْ عن القدس حدث عن خسارتنا
حدث عن النار واذكر أرض بغدانِ
واتبع سلامك يا من رمته غضبا
يحني الرقاب ويدمي قلب لبنانِ
سِلْمُ الحمام سليم من سلامتنا
ظهر ثقيل عقيم بائس حاني
أريد أن أبكي لأن البكاء هو الملاذ الوحيد الآمن للمجانين الذين لم تلوثهم براثن العقل والحسابات الدقيقة ، أريد أن أعيش سلاما حقيقيا حتى لو كان ثمنه الجنون والعته وفقدان السلامة .
samhm111@hotmail.com