غدا سنستذكر الحُرقة , يوم ذبحت سكين الارهاب ليل عمان بخسّة وقذارة وطالت يد الغدر فرحا في فندق ونالت من هدوء فندقين اخرين , ورأينا الدم الاردني يُراق , والعزاء كان , أن دمهم لم يذهب هدرا , وان فتية امنوا بربهم نجحوا في الامساك بمن حاول القتل ونجى , ولقّنوا الجهة المُنفذة درسا قاسيا , شفى صدور الجميع , فهدأت النار في الصدور وتعلمنا درسا , بأن الارهاب رخيص حد استهداف الخواصر الرخوة والآمنين من الناس .
الحدث انتهي وتعلمنا منه الكثير , وما بقي من ظلال الحدث هو الاكثر ضرورة , فثم ضحايا ما زالوا يصطفون على ابواب المحاكم لتحصيل حقوقهم , وثمة شركات تناور على الدم وتسعى الى تسليعه وترقيمه , وثمة عقوق لهم ولذويهم ولابنائهم وللمصابين منهم , تمارسه المؤسسات العامة والخاصة , فلا تذكير بهم الا بخبر عابر يوم الحادث , ولم نسمع عن تكريم شعبي او من القطاع الخاص لهم .
من لاقى وجه ربه منهم ومن اصيب لم يكن ليصاب بذاته بل كان فداء لدولة هي التي استهدفت , ومن قضى كان ليكون اي واحد منا وليسوا هم , فالعناية بهم واجبة والسؤال عنهم فرض وطني , من كل الجهات الرسمية والخاصة ومن النوادي والنقابات ومن النواب والاعيان وكل من فيه حرص على وطن كان هو المستهدف بالغدر والخيانة .
ربما الهتنا الدنيا عنهم , وربما جاء الربيع العربي ليزيد من تراب الذاكرة , تلك المنسية منذ سنين بل باتت الذاكرة الاردنية هي رهان كل الفاسدين والمنتفعين , ونحن نقدم لهم الدليل على صدق قولهم ومن جهة اخرى نبارك اعمالهم , فمن ينسى الشهداء ينسى كل شيء , ومن يدير ظهره لمن افتداه سيدير ظهره عن كل امر .
بحكم الجيرة لأحد المصابين ظللت على اطلاع باحوال معظمهم , وبحكم وجع الذاكرة عن جاري المصاب , - الذي ما عاد جاري – لانه رحل الى منزل ارضيّ لعجزه التام عن الحركة وما زالت صورته وهو يقفز ادراج شقته المجاورة لي في ابو نصير تنخز الذاكرة بوجع شديد , وكلما صادفت انجاله اسأل والجواب مكرور بمرارة , لا احد يسأل , وهذا ما سمعته من عائلة فقدت ستة افراد دفعة واحدة ينتظرون فرج الله بتعويض عادل وبلمسة حانية من مجتمع ادار لهم ظهره بعد ايام العزاء الثلاث , بل باتت ذكرى وجيعتهم علامتهم الفارقة في الحي .
في معركة الاصلاح الدائرة الآن هناك غائب مهم , هو الاصلاح الاجتماعي واسترداد منظومة مجتمعية فيها الكثير من الانسانية والطهارة ظلت وساما على صدر كل اردني قبل ان يصيبها الشلل المؤقت , او تُصاب بصدمة عصبية جراء ما نراه من ذبح للقيم كل يوم وكل اشارة ضوئية وكل شجار بين طفلين او شابين او عائلتين .
هناك ردة اجتماعية على كل موروثنا القيمي والانساني وانتهاك صادم لكل عاداتنا الطيبة من جيرة ونخوة وشهامة , لكنها يجب الا تطال الشهداء وذويهم , والضحايا واسرهم , ولا يجوز ان يبقى ضحايا تفجيرات عمان ندبة سوداء في جبيننا بعد ان تركناهم فرادى وزرافات , واوجعنا قلبوبهم الموجوعة بعقوقنا لهم.
الوقت قصير على يوم الذكرى الاليمة , لكنه كاف لكي نقول لهم اننا معهم ولو بباقة ورد او زيارة سريعة او هاتف قصير , نتفقد احوالهم ونسألهم عن حتياجاتهم وماذا فعلت بهم الايام .
(الدستور)