الجامعات الاردنيه .. تقييم و دروس مستفاده
أ.د. هيثم العقيلي المقابلة
07-11-2013 08:02 PM
المرحلة التي مرت بها الاردن خلال السنوات الثلاث الاخيره تستدعي دراسه عميقه واستخلاص للدروس على مختلف الاصعده. و كم كنت اتمنى ان تقوم الحكومه او اي جهه سياديه في البلد بتشكيل لجنه لدراسة التطورات في الاردن و استخلاص العبر لتحصين بلدنا الغالي حيث ان المرحله الماضيه او ما سمي بالربيع العربي تاه فيها الحليم و اختلطت بها العواطف مع رغبات التقليد مع المؤامرات و كادت تفقد الاردن اتزانه و لا عجب في ذلك بعد ان حاول الاستقواء على البلد اصحاب الصوت العالي و الباحثين عن مكاسب شخصيه او جهويه و ظن البعض ان البلد و المؤسسات اصابها الوهن و حلت الفرصه لتحصيل مكاسب فرديه او الاستقواء على الوطن و المواطن.
اكتب هنا في سلسله من المقالات اجتهادي و تقييمي لهذه المرحله عسى ان تملأ جزئ من الفراغ الموجود و لا ادعي الحياديه المطلقه ففي النهايه هذا تقييم و ليس بحث علمي و بالتأكيد ان العواطف و العلاقات و نقص المعلومات سيكون له تأثير. و سابدأ بالجامعات منطلقا من عملي كأستاذ أكاديمي جامعي.
كمقدمه اقول ان التعليم الجامعي اسس في الاردن بتوجيه من المرحوم جلالة الملك الحسين و قام به مجموعه من ابناء البلد المخلصين الذين لم يكن لهم مكاسب خاصه و قد يكونوا خسروا من جيوبهم لننعم بما نحن عليه الان. تبع ذلك التوسع في انشاء الجامعات املا باستنساخ التجربه الاولى و خصوصا تجربة جامعة اليرموك التي نقلت اربد من قريه كبيره الى مدينه جاذبه مفتوحه مفعمه بالحياه.
لكن ذلك خلق مشكلتين اساسيتين الاولى عدم قدرة الحكومات على الاستمرار في التمويل العالي لهذا العدد من الجامعات في ظل الظروف الاقتصاديه التي اخذت تطفو على السطح و اما الثانيه فهي القناعه الخاطئه لكثير من المناطق بان تلك الجامعات ملك لها و بالتالي عليها القيام بدور وزارة التنميه الاجتماعيه من التوسع في التوظيف على حساب الكفاءه و التغاظي عن الاخطاء و الانصياع للمتنفذين.
و بما اني من جرش و التي كانت و ما زالت الاكثر معاناه في الاردن من الاقصاء و التهميش فلا يعيب ان اتوسع بالحديث عن تجربة جامعة اليرموك في اربد. فهذه الجامعه وجدت في مجتمع جاذب و مؤمن بالكفاءه اكثر من العشائريه او المناطقيه و ابسط دليل ان هذه الجامعه منذ تأسيسها كان لها فقط رئيس واحد من اربد و لم نجد لا ابناء و لا عشائر اربد اعترضت على ذلك ما دام العمل مؤسسي و في مصلحة مدينتهم. و خرجت جامعة اليرموك الكثير من القيادات الوطنيه و يكفيها فخرا ان طلابها هم من اسسوا مهرجان جرش الذي اصبح احد اعرق الملتقيات الثقافيه و الحضاريه على المستويين العربي و العالمي. هذا طبعا قبل ان تتلاعب به بعض الايدي الخفيه التي ارادت تحويله الى مهرجان غناء و ترفيه دون اي مضمون حضاري.
ما زلت اعتقد ان جامعة اليرموك تمتلك اكبر كم من الكفاءات في داخلها سواءا في القانون او الاقتصاد او الاثار او الاعلام او الفنون او العلوم الاساسيه و اعتقد انها الجامعه الاقدر على رفد الاردن بمرشحين لجوائز عالميه او حتى جائزة نوبل. لذا اقول بصدق ان دعم هذه الجامعه هي مصلحه وطنيه و استثمار للاردن و للتعايش و كوادرها تمتد من شمال الاردن لجنوبه و من شرقه لغربه و من شتى اصوله و منابته.
بالتأكيد ان جامعتي التكنولوجيا و الاردنيه هما جامعات الصف الاول في الاردن و بهما تقاس باقي الجامعات و ما زالت كلا الجامعتين تقدمان تدريسا ممتازا و بحث علمي نسبيا مقبول ضمن الامكانيات المتاحه. و كلا الجامعتين مرشحتين للتطور اكثر بحكم نوعية الطلبه و الادارات الكفؤه و نوعية الكوادر التي يمتلكانها.
الجامعه الهاشميه انتقلت في السنوات الاخيره خلافا لغيرها الى جامعات الصف الاول و اعتقد ان قدرة الجامعه و ادارتها و كوادرها و المجتمع المحلي بتغيير الفلسفه من جامعه تملكها منطقه الى جامعه اردنيه وطنيه لكل الاردنيين و لكن جزء من رسالتها تنمية المجتمع المحلي و دعمه هي ما اعطتها قوة الدفع لتتطور في مرحله شهدت الكثير من المؤسسات تراجع.
جامعة مؤته يبدو انها بدأت تتحسس طريقها و تسير على نهج التكنولوجيا و الاردنيه و الهاشميه و لكن تبقى مسيرتها مهدده ما لم يرسخ بها مبدا معاقبة اي مثير للعنف و رفع اي غطاء عشائري او غيره عمن يحاول الاستقواء على الجامعه و انظمتها. يبقى ان معظم الكوادر القياديه فيها من نفس المدينه و هذا بالتأكيد سيفقدها القدره على التنويع و الجاذبيه.
باقي الجامعات بصراحه و وفق اجتهادي مسيرتها غير مرضيه و لا تحقق الاهداف المرجوه منها و هي غارقه في التوسع بالتوظيف و استرضاء مناطقها و بعضها مثل جامعة البلقاء خرجت عن الهدف الاساسي برفد الاردن بالطاقات التقنيه الماهره. و اعتقد ان بعض هذه الجامعات اصبح عبئا على المواطن و الوطن و على قياداتها و مجتمعها المحلي التواصل لتعديل مسارها مستفيده من تجربة الهاشميه و مؤته.
و رغم رغبتي بالتوسع بالحديث عن الموازي و التمويل الجامعي في مقال خاص و لكن اعرج على الموضوع لاقول بان الموازي هو وسيلة تمويل اساسيه لا يمكن الاستغناء عنها في ظل الظروف الاقتصاديه الحاليه و لكن يجب ان لا تؤثر على نوعية التعليم و الجوده و هنا يسجل للجامعه الاردنيه و جامعة العلوم و التكنولوجيا القدره على الموائمه بين الموازي و الجوده حتى لو حدث تأثير بسيط على نوعية الخريجين و لكن ذلك قد يخدش الصوره و لكن لا يمحوها.
القضيه الاخرى ان التوسع في التعليم الموازي يجب ان لا يؤثر على الابداع و بالتالي يجب ان تستغل نسبه محدده من دخل الموازي (5% مثلا) كمنح للطلبه الاردنيين من ابناء قطاعات الدخل المحدود و ابناء القرى و البوادي و المخيمات. فالتعليم قضيه سياديه و من حق الجميع بغض النظر عن مستواه المالي او الاجتماعي او الوظيفي الحصول على فرصه تتساوى فيها المدخلات من نوعية المدارس و خبرة المعلمين بالمخرجات من فرص الحصول على مقاعد في التخصصات المرغوبه و الا اصبح التعليم حصرا على طبقه معينه. و كما اقول دائما ان مؤسسي الجامعات في الاردن هم من ذوي الدخل المحدود و ان ابناء الفقراء هم من طوروا التعليم في الاردن.
دامت الاردن عزيزه من شمالها الى جنوبها و من شرقها الى غربها تحت قياده هاشميه محميه بسياج عز و كرامه بجهود اجهزتها الامنيه و جيشها المصطفوي.