سِيَبوَيْهِ – دكتاتورُ النحوِ – ومُحنّطُ العربية
د.عودة الله منيع القيسي
07-11-2013 06:48 PM
معلوم أن نشأة النحو – أوّلاً كانت في مدينة – البصرة – حوالَيْ سنة ثمانين للهجرة – ثم تلتها مدرسة في مدينة الكوفة كانت حوالي سنة مئة وثلاثين للهجرة،وأن مدرسة الكوفة – أوعى- لطبيعة اللغة من مدرسة البصرة – بنسبة – 20% - تقريباً(1).
- ومعلوم أن النحو.. هو وصف لظواهر اللغة،قد يكون دقيقاً في الوصف وقد يكون غير دقيق. وقد يأتي لاحق يكون أدّق – وصفاً- من سابق.
- ومعلوم أن النحو أحد الأدوات التي تحافظ على بقاء اللغة – وأجود منه،في حفظها،الأدب،ثم الفكر، ثم تطور المجتمع.فإذا كان النحو يُسهم في حفظ اللغة – بنسبة 20 %- فالأدب يُسهم بنسبة-40%- والفكر يسهم بنسبة -20%- ونموّ المجتمع وتمدّدُهُ الحضاريّ يُسهم باسبة -20%- كل ذلك من باب التقريب .
- ومعلوم أن كلاًّ من هذه الأربعة.. تؤثر في اللغة – إيجاباً أو سلباً- بقدرْ تفاعلها مع اللغة- أتفاعل حيٌّ واعٍ أم جامدٌ غيرُ واعٍ.
- أمّا غيرُ المعلوم، سابقاً، فإن نحاة البصرة.. عملوا-بوعي أو بغير وعي- على جمود النحو-وبالتالي على جمود اللغة-بنسبة -20%- وأن نحاة الكوفة لم يعملوا على جمود النحو- وبالتالي جمود اللغة إلا بنسبة -10%(2)- وأن جمود الأدب وتحوله إلى قوالب شكلية،( بعد أبي العلاء المعري- الذي توفي سنة -449ه)- عمل على جمود اللغة بنسبته السابقة،وأن تخلّف الفكر،بعد القرن السادس الهجري... عمل كذلك على جمود اللغة- بنسبته السابقة (ماعدا- مشاعلَ قليلةٍ مضيئةٍ ، بعد القرن السادس، مثل ابن خلدون (ت-808) لم تستطع أن تبدد الظلام) – وإنّ تَخلّف المجتمعات العربية الإسلامية، بعد القرن السادس- أدى إلى جمود اللغة بنسبته السابقة.
- وهذا... يعني أن اللغة العربية- توقفت عن النموّ- بعد القرن السادس الهجري- حتى نهاية القرن الثالث عشَرَ- الهجري بل تراجعت في حكم الأجانب = الأتراك للبلاد العربية، حتى انتهى الأتراك إلى محاولة فرض منهج (التتريك) وهو إحلال التركية محلَّ العربية. ثم أخذت بشيء قليل من النمو، في العصر الحاضر- أي :منذ مطلع- القرنَ الثالثَ عشَرَ الهجري- وهو يوافق منتصف القرن التاسعَ عَشَرَ –الميلادي.
- ومعلوم أن سيبوسه- الفارسي الأصل- هو وارثُ تراث نحو مدرسة البصرة-ومُدَوِّنُهُ في كتابه ( الكتابُ). قال لأحد زملائه- في مدرسة العبقري العربي- الخليل ابن أحمد الفراهيدي، وهو:علي ابن نصر الجهضمي: تعالَ ندوِّن علم الخليل(3).
- بَيْدَ .. أن التلميذ، وهو سيبويه –خالف أستاذه- واعياً أو غير واعٍ- قاصداً أو غير قاصد (4)وهذا... أمر لم يتفطن له أحدٌ من النحاة- القدامى والمعاصرين- للأسف الشديد.
- سيبويه هو أحد نحاة البصرة- الفرس- (البصرة التي لم يكن نحْويّ عربيّ شهير فيها إلا الخليل)- تبِعَ رؤية أسلافه النحاة من الفرس،وهو أنهم – قد كان محفوراً في خلفية أدمغتهم- أنهم يريدون أن يسهّلوا اللغة على بني جلدتهم- الذين تدفقوا على بلاد الحضارة الجديدة،ولا سيما- مُدُنِ العراق(5): البصرة والكوفة، وبغداد-أن يُسِّهلوا تَعلُّم العربية- للتعامل مع العرب- لا لمعرفة أسرارها ودقائقها. ولذا .. كانت رؤية سيبويه – للعربية-(قاصرةً)، أو موجّهةً بما سبق بيانه.. فانتهى إلى قوانين للغة(قواعد) كانت قواعد دكتاتورية- جمدت اللغة – وحنطتهاويضاف سبب آخر –للسبب السابق-، وهو أن اللغة لم يكن قد اكتمل جمعها عند إعداد وتأليف سيبويْه كتابَهُ { الكتابُ} –الذي صار دستور النحو العربي،مما أدى إلى قصور بعض قواعده،أو انحرافها عن الصواب- بل إلى –خطأ- بعضها.( وكتابُ سيبويْهِ هذا... معظمُهُ –إعداد –لأنه من نحو الخليل).
- اللغةُ بنت المجتمع... والمجتمع- إذا بُليَ بحاكم غشوم دكتاتور َوضعَ- بواسطة القانونيين- قوانين ظالمة جائرة.. تكبل العقول، وتمنع الإبداع والتجديد والنمو، والإسهام في الحضارة، وإن كانت تحفظ المجتمع من الانفلات، وهكذا اللغة.. فإذا بُليَتْ بنحْوي –مؤصّل-لا يدرك طبيعتها،أو يَقُدُّها لتناسب غرضاً خارج أهداف اللغة،أو يأخذ شيئاً من أهداف اللغة، ويطرح أخرى" حفظتَ شيئاً، وغابتْ عنك أشياءُ". .. فإن هذا النحويّ يضع قوانين ( قواعد( ظالمة جائرة تمنع اللغة من النمو والتقدم ومجاراة التطور- بل تجمّدها وتحنطها...
- وهكذا ... كان أمرُ سيبويهِ ( ومن سبقه من نحاة البصرة-) فقد أحسنَ إلى اللغة بحِفظها من –الانفلات- ولكن أساء إليها إساءات بالغة- إذْ جمّدتها وحنطتها –قواعدُهُ- لقصور رٌؤيتهِ للغة،ولعدم اكتمال جمع اللغة.فكانت قواعده سوراً منيعاً ضُرِبَ أمام العربية،يصدّها عن النموّ والتطوّر.
.. وهذا القصور –لم يدركه نحْويّ أو لغويّ- سابق، بل حتى يوم الناس هذا-!