باعتبار الجمهورية الموريتانية جزءا من المنظومة الدولية و متأثرا بما يتأثر به بقية أعضاء هذه المنظومة من تداعيات و إشكاليات , لم تكن بمنئا عن تداعيات الحرب على الإرهاب فضلا عن الظاهرة نفسها على التراب الموريتاني .و أعتبارا بخصوصية الموقع و الظرفية و الإمكانات المتاحة و التركيبة الإجتماعية و الدينية و التحدي اللوجستي و المادي و ترامي أطراف البلاد و صعوبة التضاريس , سلك النظام مسلكا و مقاربة من نوع جديد في مكافة الإرهاب و التي قطفت البلاد الكثير من ثمراتها , و كان أول هذه الثمرات القضاء على الهجمات الإرهابية المهددة للسلم العالم في البلاد.
إن المقاربة الموريتانية في مكافحة هذه الظاهرة التي تعددت تعاريفها و لا يوجد لها تعريف معين , كانت موسعة جدا بتوسع المصطلح و تعريفاته , فنجد أن المقاربة هذه اشتملت على أكثر من مشمل و مقسم , و اتجهت في اتجاهات متعددة , كالمنحى العسكري و الأمني و الاجتماعي و الإقتصادي و الديني و النفسي .كانت المقاربة الموريتانية بعد إدراك التهديدات الجسيمة التي يتعرض لها الأمن القومي , و التهديدات التي لم تعد تقتصر على كونها تهديدات محلية و إنما توسعت لتكون تحديات إقليمية , تحول البلاد الى قاعدة للمتطرفين , تنطلق عملياتهم منها و تدار , مقاربة حاسمة و شديدة القبضة , حيث أجريت الدراسات التي حددت المكامن و حددت المناطق التي تصدر منها التهديدات , و تم انشاء وحدات متخصصة في مكافحة الإرهاب تابعة للقيادة العامة للجيوش لتساهم في عملية المكافحة و القضاء على البؤر و مراكز التجمع للإرهابيين و تم إمدادها بالأسلحة المناسبة و الدعم الجوي و التقني .أما في ما يتعلق بالجانب الآخر فقد كان جانب الحوار الذي أجري مع المعتقلين المتهمين و المدانين بالأعمال الارهابية و الإنتماء الى التنظيمات الإجرامية كما يسميها بعض المسؤولين المورتانيين و التي كان لها الأثر الكبير و الفعال في تصحيح الأفكار و النقاش من طرف المتخصصين .و كما هو مبين فإن هذه المقاربة أنقسمت الى قسمين عسكري و آخر غير عسكري , تخصص العسكري بالاعمال الحربية التي مورست ضد الجماعت المسلحة و الغير عسكري تضمن معالجة العوامل الإقتصادية و الدينية و الإجتماعية.
و في ما يلي تحليل لأهم المرتكزات في المقاربة الموريتانية لمكافحة الإرهاب:-
المرتكز العسكري المحلي و الدولي ترتكز المقاربة ليس فقط على المستوى المحلي و إنما تمتد الى المستوى الإقليمي و الدولي و ترتكز على تكثيف التعاون بين دول الجوارخصوصا في مجال تبادل المعلومات , و ترتكز أيضا و بشكل كبير جدا على تعزيز وسائل مكافحة الإرهاب من خلال التكوين والتدريب المستمر والدعم اللوجستي. كما تقوم المقاربة على تبادل المعلومات بين الجهات الأمنية حول تطور نشاطات الإرهابيين بحيث يكون التنسيق الدائم ما بين أجهزة أمن الدولة و القطاعات العسكرية مرتكزا أساسيا لضمان الضربات الإستياقية للجماعات الإرهابية. و تسعى الحكومة الى تطبيق الاتفاقيات الدولية بشأن المتورطين في الأعمال الإرهابية لاسيما ما يتعلق بدفع الفدية للإرهابيين , و كما هو معروف فإن الحكومة ترفض بشكل قاطع دائما دفع الفديات للإرهابيين و هو ما ورد على لسان رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبدالعزيز بما معناه أن دفع الفدية هو الممول الأساس للجماعات الإجرامية و أن الاستمرار بدفع الفدية هو تشجيع لإستمرار الانشطة الإجرامية و الإرهابية .و من الأهمية بمكان ذكر سياسة المناطق الممنوعة و المحظور التواجد فيها التي طبقها الجيش و أظهرت نجاحا ملموسا في قطع صلات الجماعات الإرهابية و منع قيامها.
المرتكز الإقتصادي و الإجتماعي و هو المرتكز الذي من خلاله تقوم هذه المقاربة بتجفيف مصادر الإرهاب الاجتماعية و الاقتصادية الممثلة بالفقر و البطالة و إنشاء إطارات استراتيجية لمكافحة الفقر و التشغيل و مكافحة الثقافات الفاسدة . كما أيضا ترتكز على تجفيف مصادر الدخل المباشرة و الغير المباشرة للجماعات الإرهابية و ذلك بالبحث و التقصي الإقتصادي الأمني و المسح المتكرر بحثا عن الأنشطة الإقتصادية المشبوهة بتمويل الإرهاب. كما تقوم المقاربة من الناحية الإجتماعية على تشجيع التسامح والتعايش السلمي وتعميق ثقافة الحوار ونبذ الكراهية.
المرتكز القانوني والديني والإعلامي و تقوم المقرابة أيضا على سن القوانين المجرمة و المحرمة للإرهاب و للنشاطات الممولة للإرهاب. يلعب في ذلك دور كبير الموسسات القضائية و التشريعية التي سنت العديد من القوانين و التشريعات التي دخلت حيز التنفيذ بعد الموافقة عليها من السلطة التشريعة. أما في ما يتعلق بالجانب الديني فكما هو معلوم و بعد أعتماد مقاربات الحوار , فإن الدور الديني في مكافحة الإرهاب في البلاد كان هو الأبرز حيث فعلت المنابر في مختلف الجهات و قامت الشخصيات الدينية المختلفة سواءا من علماء أو دعاة بالعديد من الأنشطة و الفعاليات الدينية و الثقافية و التي تهدف إلى مكافحة هذه الظاهرة و تبيين الرفض الديني لها جملة و تفصيلا و هو ما لاقى قبولا واسعا و دعوة العلماء لنشر وتعميم فقه الجهاد وأحكامه وشروطه لإزالة اللبس الحاصل في هذا المجال . و في المجال الإعلامي كانت الظاهرة حاضرة بكل وزنها , و تم ضبط الإعلام بحيث لا يتعاطى مع الظاهرة خارج المضمون .
المرتكز الدبلوماسي و من هنا نجد تفعيل الدور المتميز الذي يمكن للدبلوماسية أن تضطلع به في تحسين العلاقات بين دول الجوار و دول العالم و سن اتفاقيات أمنية حول تبادل المعلومات المتعلقة بالإرهابيين و هو ما بدى جليا في العلاقات الخارجية للبلاد مع مختلف دول العالم من خلال الحضور البارز و المشاركة الفعالة في المؤتمرات و تدويل ظاهرة الإرهاب حول العالم , و إبرام الإتفاقيات المختلفة المتعلقة بمكافحة الظاهرة و المعاهدات التي تجعل البلاد في طليعة الدول التي تعتمد النهج الدبلوماسي في صد هده الظاهرة.
هل نجحت المقاربة أم لا ؟؟ من منظور تحليلي عام , فإن المقاربة الإستراتيجية الوطنية يحلل نجاحها في ثالث نقاط , أولها النجاح العسكري الملموس على الأرض ببسط السيطرة العسكرية على كافة مناطق البلاد و تدمير كافة القواعد التي تستخدمتها الجماعات الإرهابية أو كانت تستخدمها سواءا أتعلق الأمر بالتراب الوطني أو في دول الجوار , حيث أن العمليات العسكرية التي تدار من نواكشوط أثبتت فاعليتها في مناطق الشمال الشرقي و الشرق , و في مالي المجاورة , و التي كان لها الأثر الفعال بأن كانت معتمدة على معلومات استخباراتية و تمت العمليات في ظروف لوجستية و عسكرية ممتازة مما شكل ضربات استباقية متعددة للتنظيمات الإرهابية شلت القدرات القتالية و الدفاعية للعدو , حيث يظهر النجاح بانعدام الهجمات الارهابية و العمليات الإنتحارية و تفكيك كافة الخلايا و هو ما يشهد إشادة دولية بالنجاح .أما النقطة الثانية فهي النقطة المتعلقة بالحوار و المناظرات مع سجناء التيارات المتشددة و التي نتج عنها فهم جديد للمناظير المؤدية للإرهاب و رجوع الكثير من الإرهابيين عن افكارهم و إعادة دمجهم في المجتمع من جديد. أما النقطة الثالثة فهي النجاح الدبلوماسي الملحوظ و ذلك بتقوية الصلات البينية ما بين الحكومة و تقوية التعاونات الدولية و التوقيع على الاتفافيات التي تدخل حيز التنفيد فو توقيعها و التي تحد بشكل فاعل من الظاهرة.
و تبقى موريتانا في نجاحها في مكافحة الإرهاب و ظرفيتها من حيث سعة المساحة و ترامي الأطراف رهينة تحد كبير جدا يجعل المؤسسات العسكرية و الأمنية و الإرادة السياسية للبلاد على المحك في تأمين التراب الوطني من الخطر الإرهابي الكامن المحتمل .