النووي الأردني والخيار الروسي
د.حسام العتوم
07-11-2013 01:07 PM
لقد أسعدنا نحن خريجو الفدرالية الروسية اختيار الأردن عبر هيئة الطاقة الذرية برئاسة الدكتور خالد طوقان لشركة Atom Story Expert الروسية لإحياء مشروعه ومفاعله النووي السلمي المزمع تشغيله عامي (2014-2024) بكلفة 10 مليارات دولار وسط تنافس دولي (فرنسي، ياباني، كندي) متسارع للدخول للسوق النووي الأردني، وها هو الأردن المتواضع بإمكانته الاقتصادية والشامخ بطموح قيادته الهاشمية الحكيمة وشعبه المكافح يضع رجله اليمين على عتبة المستقبل المشرق ومواجهة الفرصة السكانية المتزايدة طردياً في عمق الزمن القادم إلى الضعف وأكثر، وازدياد الضغط على البينة التحتية إلى جانب الاهتزازات السياسية والديمغرافية المجاورة باتجاهنا يبحث عن الطاقة البديلة الغازية والمائية والكهربائية والمنزلية والصناعية في وقت نعاني فيه من شح وارتفاع أسعار المحروقات، ومن غياب الوحدة العربية الحقيقة، وغياب التحالفات الاقتصادية العربية المنشودة، ومن ارتفاع مديونية خزينة الدولة إلى 26 مليار دولار.
سيفتح هذا المشروع القادم في بلدنا فرصاً عديدة أمام الناطقين بالروسية في مجالات الترجمة ومواصلة العلوم والدراسات النووية والهندسية والطبية والمائية والغازية والكهربائية التنموية، وسوف يصبح رافداً حتى للسياحة الأردنية ومنها الدينية حيث المغطس المكان المقدس الذي تعمد به السيد المسيح حسب وثائق الفتيكان، وتم اختيار موقع عمرة على بعد 60 كيلوا متراً جنوب شرق خربة السمراء في محافظة الزرقاء إلى جانب العقبة والمجدل في المفرق لأسباب فنية وبيئية وطبوغرافية واقتصادية ولوجسيتية (أمنية)، وجاء الاختيار هذا نتيجة دراسات علمية طويلة معمقة وبالتوافق على ما يبدو مع الجانب الروسي، علماً بأن الخبراء الروس وكما سمعت منهم مباشرة أثناء حضوري اللقاء والمؤتمر الثالث للصناعات النووية السلمية العالمية في موسكو عام(2011) لديهم قدرة على بنائه وسط البحر الأحمر في مياه الإقليمية حتى لا يكون عرضة لأي اهتزازات عسكرية عدوانية في المنطقة مستقبلاً، وبكل الأحوال فإن الأمن النووي الروسي اليوم هو أكثر أماناً وبعشرات الأضعاف مما كان عليه الحال أيام كوارث جيرنوبل واليابان وسيبيريا، ولديه قدرة على مواجهة الإرهاب والزلازل والسيول والحروب.
لسنا الوحيدون في المنطقة العربية الذين يقررون امتلاك مثل هكذا مفاعل نووي للأغراض السلمية، ولقد سبقتنا مصر في محاولة أفشلتها إسرائيل عام (1967)، وها هي تعيد المحاولة من جديد، وسبق للإمارات أن افتتحت لنفسها وبالتعاون مع كوريا الجنوبية مشروعاً نووياً سلمية بقيمة 40 مليار دولار عامي (2009-2012)، وهي بصدد تشغيل مفاعل آخر جديد لأغراض تحلية المياه وغيرها، وفي المقابل لا توجد ضمانات طويلة المدى على بقاء مخزون البترول والغاز في القرون القادمة حسب الخبراء، ولا جدوى من الاعتماد على توليد الطاقة من الشمس والهواء والمياه فقط، ودائما أتمنى أن تتوحد الجهود العربية لنصنع معاً نحن العرب مشاريعاً تنموية مشتركة ناجعة وهادفة بعيدة المدى، وكما أٌول دائما أيضا لا تنمية من دون إعلام ولا تنمية وإعلام من دون سياسة فالمطلوب الآن هو توحيد سياسات العرب واقتصاداتهم وإعلاماتهم في خطاب واحد يظهرنا أمام العالم قوة واحدة ويساعدنا في سد الفجوة التكنولوجية بين عالمنا النامي والأول.
نؤكد من جديد بأننا هنا في الأردن وسط العرب دعاة سلام عادل وشامل ولم نكن يوماً دعاة حرب، وإٍسرائيل المحتلة لأراضي العرب والمسيطرة على منابع مياههم والمغذية للإرهاب آن لها أن تفهم بأن وجودها وأمنها ليس في امتلاكها القوة العسكرية النووية غير التقليدية وإنما بقبولها للسلام مع العرب وفق قرارات الأمم المتحدة لتعم التنمية المستدامة بدلاً من الحروب وتكديس السلاح.
حسب هيئة الطاقة الذرية الأردنية فإن المملكة تختزن على سطحها وفي جوفها مخزون غني من اليورانيوم تقدر احتياطات خاماته في منطقة الوسط بأكثر من 20 ألف طن وهو رقم غير وهي كما تشيع الصحافة الصفراء، ويقدر احتياط اليورانيوم في الفوسفات بحوالي 140 ألف طن أي بقيمة سوقية مقدارها 40 مليار دولار أمريكي (المصدر- بترا 27/9/2008)، وهذه الركيزة شكلت دافعاً محورياً للتوجه الأردني نحو الطاقة النووية البديلة عن البترولية والغازية وغيرها، والأهم هنا هو أن يلعب إعلامنا الوطني دوراً مقنعاً للرأي العام حول أهمية هذا النوع من الطاقة الهامة والضرورية لحاضر أجيالنا ولمستقبلنا، وأن يواجه بالحجة والكلمة المسؤولة الإشاعات التي تدور في فضائه وخلف الكواليس، وفي المقابل الوطن لا تبنيه الإشاعات، ولا يبنيه التردد أو الخوف من المجهول وقدوتنا هنا وثقتنا بقيادتنا الهاشمية الحكيمة وبمؤسساتنا العلمية والتكنولوجية، وبشريحة شبابنا الواسعة المتعلمة والمثقفة على امتداد أكثر من 30 صرحاً جامعياً وخلف أسوارها أيضا، وقد يقول قائل لماذا هي بعض دول العالم المتقدم مثل ألمانيا من دون محطة نووية سلمية حتى الساعة وكذلك إسرائيل وسط منطقتنا العربية؟ والإجابة هنا لا علاقة لها بالخطورة من قريب أو من بعيد وإنما لتوفر الطاقة اللازمة للبنية الصناعية والتحتية وللتعاون الأوروبي من حول ألمانيا والعالمي من حول إسرائيل.
إن أول محطة نووية للأغراض السلمية للأغراض ظهرت في الاتحاد السوفيتي عام (1954) وشخصياً زرت محطة (أودوملا) النووية في روسيا القريبة من مدينة تفير شمال العاصمة موسكو أثناء حضوري المعرض النووي العالمي فيها عام (2011) وأذهلني وقتها الحماية الأمنية لها وقربها من مساكن الناس ومسابحهم رغم قدم تأسيسها منذ عام 1985، بينما جهزت الولايات المتحدة عام (1944) أول مفاعل نووي للأغراض العسكرية ولم يخطر في تفكيرها في ذلك الوقت البدء بالعمل النووي خدمةً للإنسان، وبينما هو الاتحاد السوفيتي أو روسيا لم يتسخدموه ويرفضون ذلك في حروبهم التي فرضت عليهم كما أمريكا في اليابان وبشكل محدود في العراق في حروبهم التي افتعلوها، ووسط خارطة العام اليوم 444 محطة نووية للأغراض السلمية و 65 محطة أخرى قيد الإنشاء منها مثلا في الصين 11 مفاعل و 14 تحت الإنشاء وتخطط لبناء 115 غيرهم، وفي فرنسا 17 محطة وواحدة تبنى حالياً واثنتان تحت الإنشاء وفي الهند 17 محطة و 6 محطات تبنى حاليا وتخطط لبناء 38 محطة مستقبلا، وفي اليابان 53 محطة واثنتان تحت الإنشاء الآن و 14 مشروع مستقبلي، وفي روسيا 31 محطة و 8 تحت الإنشاء و 36 محطة مستقبلية، وفي أوكرانيا 15 محطة الآن و 22 مستقبلية، وفي أمريكا 104 محطات الآن وواحدة تبنى 31 مستقبلية، والسعودية تخطط لامتلاك النووي السلمي عام 2030، والإمارات امتلكت محطة ستعمل عام 2019، ومصر تخطط لعام 2019 نووياً، والكويت لعام 2015.
المعنى السياسي للمشروع النووي الأردني الروسي يعكس نهوض وثبات الثقل الروسي للشرق الأوسط بعد استخدام (الفيتو) في المسألة السورية الدموية والمساعدة في حل عقدة السلاح الكيماوي الخطير فيها والإصرار على نتيجة صناديق الاقتراع الرئاسية عام 2014 لتحديد مستقبل الرئيس بشار الأسد ونظام حكمه والبحث عن إمكانية عقد مؤتمر جنيف 2 ووضع حد للجهات الداعمة للعنف والإرهاب سواء كانت عربية أو أجنبية والتي شاهدنا تراجعها وفشل دورها في الآونة الأخيرة، وهكذا هو المطلوب الآن لإعطاء فرصة كافية للحلول السلمية، وفي المقابل دعم وإسناد الاقتصاد الأردني بأسعار منافسة، وإثبات سلمية إنتاج إيران النووي رغم الضجيج الغربي.
مشروع الأردن النووي الحيوي سيكون تحت إشراف دولي وسوف يحتاج ل 45 مليون متر مكعب إضافية من المياه لاستخدامها في عملية تبريد المفاعل والله ولي التوفيق وهو المستعان.